فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

الاقتصاد المصري أمام لحظة الحقيقة.. المراجعتان الخامسة والسادسة لصندوق النقد ترسم حدود التعافي.. خبراء: اختبار حقيقي لمدى التقدم بملفات الإصلاح الهيكلي.. وفرصة للتحول إلى نموذج إقليمي يحتذى به

الاقتصاد المصري
الاقتصاد المصري

 فى وقت يترقب فيه الشارع المصري نتائج المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج الصندوق المقرر أن تحددا بصورة نهائية قدرة الاقتصاد على عبور "عنق الزجاجة"، جاءت تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، لتفتح بابًا جديدًا من التساؤلات. 

حيث أعلن مدبولي أن مصر ستنهي الاقتراض من الصندوق بحلول عام 2026، ما يطرح سؤالًا جوهريًا: هل نقترب حقًا من استكمال خطوات الإصلاح والانتقال إلى اقتصاد قادر على الوقوف ذاتيًا دون دعم خارجي؟ أم أن التزامات الصندوق لا تزال ضرورية لتحصين الاقتصاد أمام الصدمات الإقليمية والدولية؟

 

حيث أن الصندوق لعب دورًا مباشرًا في صياغة تلك التحولات، سواء عبر برامج الإصلاح النقدي أو اشتراطات كفاءة الإنفاق أو دعم بيئة الاستثمار.

وبينما تتأهب الحكومة لاجتياز المراجعتين الخامسة والسادسة، يتجدد النقاش حول تأثير برامج الصندوق الإيجابي والسلبي على الشارع المصري، وعلى مستقبل الاستقرار المالي والنقدي، لتأتي هذه المراجعات في لحظة إقليمية حساسة، حيث تسعى دول الشرق الأوسط إلى إعادة رسم خريطة اقتصاداتها تحت ضغط الأزمات الجيوسياسية وتغيرات الأسواق العالمية.

ومصر، باعتبارها أكبر اقتصاد عربي غير نفطي، تقف في قلب هذا التحول، ما يجعل نتائج المراجعتين المقبلتين ذات أصداء تتجاوز الحدود، وتضع الأسس لمسار جديد قد يغيّر شكل الاقتصاد المصري ويترك بصمته على المنطقة بأكملها.

وبينما تستعد مصر لإتمام المراجعتين الخامسة والسادسة مع صندوق النقد الدولي، يقف الاقتصاد المصري عند منعطف حاسم يحدد مسار التعافي وقدرته على إعادة التموضع داخل خريطة الشرق الأوسط الاقتصادية.

فهذه المراجعات لا تُعد مجرد خطوة إجرائية، بل اختبارًا حقيقيًا لمدى التقدم في ملفات الإصلاح الهيكلي، والطروحات، وضبط المالية العامة ومع ترقب الأسواق الإقليمية والعالمية لما ستسفر عنه المفاوضات، هناك سؤالًا محوريًا يطرح نفسه الا وهو: هل تقترب مصر من عبور عنق الزجاجة لتتحول إلى نموذج إقليمي يعيد رسم ملامح الحركة الاقتصادية في الشرق الأوسط؟

المرحلة الأكثر حساسية في برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري

وفي ذات السياق يؤكد الدكتور أحمد شوقي، الخبير الاقتصادي، إن المراجعتين الخامسة والسادسة مع صندوق النقد الدولي تمثلان المرحلة الأكثر حساسية في برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، فنجاحهما يعكس مدى التزام الدولة باستكمال الإصلاحات الهيكلية، وعلى رأسها رفع كفاءة إدارة دعم الطاقة وتحسين منظومة التمويل العام.

وأوضح أن اجتياز هاتين المراجعتين يفتح الباب أمام صرف ما تبقى من الدفعات التمويلية، وهو ما يعزز موقف السيولة الأجنبية ويخفف الضغوط على الاحتياطي النقدي.

وأكد شوقي أن نجاح مصر في هذه المراجعات يبعث رسالة قوية للأسواق الدولية مفادها أن الاقتصاد المصري يسير في مسار إصلاحي منضبط، وهو ما يخفض مستويات المخاطر ويزيد جاذبية السوق للاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وأضاف أن التجارب السابقة أظهرت أن نجاح المراجعة الأخيرة غالبًا ما يرتبط بارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي بنسبة تتراوح بين 12 و15% خلال الأشهر الثلاثة التالية، إلى جانب تحسن التصنيف الائتماني وخفض تكلفة الاقتراض الخارجي.

صرف الدفعات الجديدة من الصندوق

وأشار إلى أنه مع صرف الدفعات الجديدة من الصندوق، من المتوقع أن يرتفع الاحتياطي النقدي بأكثر من ملياري دولار، ليتجاوز حاجز 52.5 مليار دولار مقابل مستواه الحالي البالغ نحو 50 مليار دولار، وهو ما يعزز قدرة الدولة على تغطية الواردات وتقليل ضغوط العملة الأجنبية هذا التحسن  بحسب شوقي سينعكس مباشرة على استقرار سعر الصرف وتقليص مخاطر التضخم المستورد، مما يمنح الشركات والمستثمرين المحليين رؤية أوضح للتخطيط طويل الأجل، ويحفز القطاعين الصناعي والتجاري على التوسع وضخ استثمارات جديدة.

صياغة نموذج اقتصادي يحتذى به في المنطقة

وأوضح الدكتور أحمد شوقي الخبير الاقتصادي أن ما تقوم به مصر من إصلاحات يساهم في صياغة نموذج اقتصادي يحتذى به في المنطقة، خصوصًا في كيفية تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستقرار المالي.

ورغم أن ظروف كل دولة تختلف، فإن نجاح التجربة المصرية يشجع العديد من الدول الإقليمية على تبني سياسات إصلاحية مشابهة، خاصة في مجالات تحسين إدارة الدين، دعم الاستثمار، وتطوير البنية التحتية.

وأضاف شوقي أن مصر، باعتبارها أكبر اقتصاد عربي من حيث عدد السكان، مرشحة لأن تتحول إلى منصة جاذبة للاستثمارات الإقليمية، حيث تنظر الشركات الخليجية والأجنبية إلى مصر كبوابة طبيعية لأسواق أفريقيا.

ومع استمرار الإصلاحات، يمكن أن ترتفع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر بنسبة تتراوح بين 10 و15% سنويًا.

وأشار شوقي أن متابعة صندوق النقد لخطوات الإصلاح في مصر تمنح إشارات طمأنة للأسواق العالمية بشأن استقرار الاقتصاد، ما ينعكس على تقييمات المخاطر والسيولة المتاحة للدول الإقليمية كما تساعد توصيات الصندوق الحكومات المجاورة على تبني سياسات مالية ونقدية أكثر انضباطًا واستدامة.

تنفيذ برنامج الإصلاح مع الحفاظ على وتيرة النمو والاستقرار النقدي


واختتم الدكتور أحمد شوقي بأن نجاح مصر في تنفيذ برنامج الإصلاح مع الحفاظ على وتيرة النمو والاستقرار النقدي يجعلها نموذجًا مؤثرًا في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بتحقيق توازن دقيق بين الإصلاحات وحماية الفئات المتوسطة والفقيرة. 

ويمكن للدول الإقليمية الاستفادة من التجربة المصرية في مجالات الإصلاح الضريبي، دعم الاستثمار، وتحسين الحوكمة المالية، مع التأكيد على اختلاف موارد وهياكل كل دولة وتأثير ذلك على مسارها الإصلاحي.

وعلى مدى عقد كامل، ظلت علاقة مصر بـصندوق النقد الدولي واحدة من أكثر الملفات الاقتصادية تأثيرًا وإثارة للنقاش، باعتبارها مسارًا حاسمًا في تحديد شكل الاقتصاد المحلي ونقطة ارتكاز في تقييم مستقبل الإصلاحات المالية والنقدية.

نتائج المراجعين الخامسة والسادسة لصندوق النقد 

وفي وقت يترقب فيه الشارع المصري نتائج المراجعتين الخامسة والسادسة 

 

أهم محطات الإصلاح الاقتصادي

ومن جانبها أوضحت الدكتورة درية ماضي، الخبير الاقتصادي، إن المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج صندوق النقد الدولي مع مصر تمثلان واحدة من أهم المحطات في مسار الإصلاح الاقتصادي، ليس فقط من زاوية استحقاقاتهما الفنية والتمويلية، بل لما تعكسانه من قدرة الدولة على استعادة توازنها الاقتصادي ودورها الإقليمي في لحظة تتشكل فيها خريطة جديدة لاقتصادات الشرق الأوسط.

وأكدت ماضي أن نتائج هذه المراجعات باتت مؤشرًا لمدى جدية الإصلاح وإمكانية عبور مصر عنق الزجاجة نحو مرحلة أكثر استقرارًا.

دلالة المراجعتين الخامسة والسادسة

كما أوضحت أن هاتين المراجعتين تشكلان نقطة تحول محورية في تقييم التزام الدولة بالإصلاحات الهيكلية، خاصة بعد سنوات شهدت ضغوطًا محلية ودولية متلاحقة أثرت على وتيرة تنفيذ بعض الإصلاحات، واعتبرت أن نجاح مصر في اجتياز هذه المراحل يمثل رسالة قوية للأسواق العالمية بأن البرنامج يسير وفق مسار مستدام، وليس مجرد رد فعل لأزمات عابرة.

وأضافت أن المراجعات تختبر ملفات حساسة للغاية، أبرزها برنامج الطروحات الحكومية ودور الدولة في النشاط الاقتصادي، إضافة إلى كفاءة سياسات ضبط الإنفاق وتحسين الإدارة المالية. ولذلك، فإن وزن هذه المراجعات يفوق كثيرًا قيمتها التمويلية المباشرة.

 

الآثار المتوقعة على الاقتصاد المصري

أكدت الخبير الاقتصادي أن استكمال المراجعات سيدعم تدفقات نقد أجنبي إضافية تعزز الاحتياطي النقدي وترفع من قدرة الدولة على توفير سيولة دولارية مستقرة، خاصة مع تطبيق سياسة أكثر مرونة لسعر الصرف. وأشارت إلى أن هذا الاستقرار سينعكس على قدرة السوق على امتصاص الصدمات، وتهيئة مناخ أكثر وضوحًا أمام المستثمرين المحليين والأجانب.


كما لفتت ماضي إلى أن المراجعات ليست مجرد بوابة لصرف دفعات الصندوق، بل تمهّد للوصول إلى تمويلات جديدة من مؤسسات دولية مختلفة، مما يتيح للدولة تنفيذ مشروعات استراتيجية كبرى دون تحميل المالية العامة أعباء دين قصير الأجل،وهو ما يدعم فرص تحقيق نمو اقتصادي متوازن وأكثر قدرة على الاستدامة.

 

انعكاسات التجربة المصرية على اقتصاد الشرق الأوسط

وأشارت الدكتورة دُرّية ماضي إلى أن مصر، باعتبارها إحدى أكبر الاقتصادات غير النفطية في الشرق الأوسط، تُعد مؤشرًا مهمًا لاتجاهات المنطقة الاقتصادية ومن ثمّ، فإن نجاح مصر في تنفيذ الإصلاحات يعزز ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية في الاقتصادات الإقليمية، خاصة تلك التي تمر بمراحل تحول مماثلة، مثل إعادة هيكلة الدعم أو تحرير سعر الصرف أو تحسين بيئة الاستثمار.

وأضافت ماضى أن تحسن الأداء الاقتصادي المصري قد يشجع رؤوس الأموال على التوسع في استثمارات عابرة للحدود داخل المنطقة، خصوصًا في قطاعات الطاقة، والنقل واللوجستيات، والأسواق المالية، بينما أي تعثر يعيد إشعال المخاوف بشأن مخاطر الاستثمار في الأسواق الناشئة بالشرق الأوسط.

دور صندوق النقد الدولي في تشكيل المشهد الاقتصادي الإقليمي

كما أوضحت الدكتورة درية ماضي أن صندوق النقد الدولي بات فاعلًا رئيسيًا في توجيه مسارات السياسات الاقتصادية في المنطقة، عبر متابعته الدقيقة لإصلاحات الدول الكبرى، وعلى رأسها مصر كما ترى أن التجربة المصرية، بحجمها وتعقيدها، أصبحت نموذجًا يُستند إليه في بناء برامج الإصلاح لدول أخرى تتجه نحو نفس المسار.

وأكدت أن التزام مصر بمتطلبات البرنامج يعزز دور الصندوق كشريك استراتيجي في التحولات الاقتصادية الإقليمية، ليس فقط عبر التمويل ولكن من خلال الخبرات الفنية وإرساء قواعد اقتصادية أكثر مرونة واستدامة في مواجهة الصدمات العالمية