متى يصبح التصوير بالشارع مباحًا؟ ومتى يتحول لـ جريمة مكتملة الأركان؟ خبير قانوني يجيب
قال الخبير القانوني المستشار أشرف ناجي المحامي إننا في زمن أصبحت فيه كاميرات الهواتف أشبه بعيون لا تنام تحوّل التصوير في الأماكن العامة إلى ممارسة يومية بل إلى عادة اجتماعية وثقافية، لكن في لحظة واحدة قد يتحوّل “فيديو عابر” أو “صورة على السريع” إلى جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس والغرامة وقد تتسبب في ملاحقة ناشرها جنائيًا مهما كانت نيته حسنة.
فأين يقف القانون؟ ومتى يصبح الضغط على زر الكاميرا عملًا مباحًا؟ ومتى يتحول إلى جريمة مكتملة الأركان؟
أولًا: هل يجوز التصوير في الأماكن العامة؟
وأضاف المستشار أشرف ناجي لفيتو إن الأصل في القانون أن التواجد في مكان عام يعني إمكانية الرؤية العامة وبالتالي فالتصوير في ذاته ليس جريمة طالما لم تمس الصورة منشآت عسكرية أو أمنية مناطق محظور تصويرها أسرارًا أو بيانات شخصية بل إن القضاء المصري استقر على أن الشارع ليس مكانًا للخصوصية في حد ذاته.
لكن الخط الفاصل بين الإباحة والتجريم رفيع جدًا… وهنا تكمن الخطورة.
ثانيًا: تصوير الأشخاص في الشارع… مباح أم محظور؟
وأشار ناجي أن هناك قاعدة عامة ذهبية: التقاط الصورة غالبًا مباح - نشر الصورة غالبًا مُجَرَّم.
فالقانون المصري لا يجرّم مجرد تصوير شخص يوجد في شارع أو مكان عام ما دام التصوير: غير موجّه لاستهدافه مباشرة ولم يدخل في نطاق التلصص ولم يكن في وضع يكتسب خصوصية.
إلا أن محكمة النقض أطلقت حكمًا بالغ الأهمية: “الحياة الخاصة تمتد إلى كل ما لا يرضى الشخص بإطلاع الغير عليه ولو وقع في مكان عام طعن رقم 6532 لسنة 62 ق.
وهذا يعني أن تصوير شخص بطريقة تظهر ملامحه بوضوح أو تلاحقه بالكاميرا قد يدخل في نطاق الاعتداء على حياته الخاصة.
ثالثًا: هل يجوز تصوير الأشخاص داخل سياراتهم الخاصة؟
على الرغم من أن الطريق العام مباح الرؤية إلا أن السيارة الخاصة تُعتبر — قانونًا — امتدادًا للحياة الخاصة وبالتالي: يجوز تصوير السيارة نفسها لأنها في المجال العام ولا يجوز تصوير صاحب السيارة من الداخل أو إظهار ملامحه بوضوح دون إذنه لأن المادة 309 مكرر عقوبات تجرّم صراحة: “التقاط صورة لشخص في مكان خاص دون رضاه وقد اعتبر القضاء السيارة الخاصة مكانًا خاصًا لصاحبها ما دام بداخلها.
رابعًا: هل يجوز نشر ما تم تصويره؟ (الخطر الأكبر)
هنا ينتقل التصرف من إباحة إلى تجريم صريح فالمادتان 309 مكرر و309 مكرر (أ) من قانون العقوبات تنصان على تجريم: نشر أو إذاعة أو عرض أو تداول صورة أو تسجيل لشخص دون رضاه ولو كانت الصورة ملتقطة في مكان عام ويُعاقب الفاعل بالحبس والغرامة بل إن مجرد “إعادة نشر” ما نشره غيرك يضعك تحت طائلة العقاب أيضًا.
وإذا تسبب النشر في إساءة أو تشهير أو تجريح بسمعة الشخص تتضاعف المسؤولية الجنائية وقد تدخل تحت نصوص قانون مكافحة تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 خاصة: المادة 25 (انتهاك حرمة الحياة الخاصة):
تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة بين 50,000 و100,000 جنيه لكل من:
“التقط أو نقل أو نشر أو أذاع… صورًا أو تسجيلات لشخص دون رضاه… ولو في مكان عام.”
خامسًا: تصوير سيارات الآخرين ولوحاتها… أين الحد؟
يجوز تصوير السيارات في الطريق العام ولا يجوز نشر لوحات السيارات بهدف التشهير أو الربط بين السيارة وصاحبها بشكل يحدد هويته.
ولا يجوز تصوير ركّاب السيارة ونشر صورهم مطلقًا دون إذن بل إن تصوير “مشادة” أو “واقعة” داخل سيارة ثم نشرها يعتبر انتهاكًا لخصوصية أصحابها ويعرّض الناشر للمساءلة الجنائية الصريحة.
سادسًا: متى يصبح التصوير جريمة مكتملة الأركان؟
يصبح التصوير أو النشر جريمة في الحالات الآتية: إذا تم تصوير شخص داخل مكان خاص (مثل سيارة، محل عمل، شقة، مكتب).
إذا كان التصوير موجهًا للشخص بشكل مزعج أو غير مبرر.
إذا نُشرت الصورة أو الفيديو دون إذن صاحبها.
إذا أظهر النشر بيانات شخصية (لوحة سيارة، عنوان، وجه واضح).
إذا أدى التصوير أو النشر للإساءة أو التشهير أو التنمر.
سابعًا: العقوبات القانونية المتوقعة وفقًا للقانون المصري:
تنص المادة 309 مكرر من قانون العقوبات علي:
الحبس وغرامة لكل من التقط صورة لشخص في مكان خاص دون رضاه.
كما تنص المادة 309 مكرر أ عقوبات علي " الحبس الذي قد يصل إلى سنة وغرامة لكل من نشر أو أذاع أو تداول صورة شخص دون إذنه.
كما تنص المادة 25 من قانون مكافحة تقنية المعلومات علي: الحبس لمدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة من 50,000 إلى 100,000 جنيه.
وتنص المادة 27 من نفس القانون: تشديد العقوبة إذا صاحب النشر تعليق مسيء أو قذف أو سب أو تجريح.
ومن ثم فأن القانون المصري ليس ضد التصوير وإنما ضد الاعتداء على الخصوصية.
وليس ضد توثيق الواقع وإنما ضد تحويل حياة الناس – دون إذنهم – إلى فضيحة منشورة وتصوير خصوصيتهم ونشرها بدون وجه حق
والفارق بين المباح والجرم أحيانًا ليس أكثر من ضغطة “نشر” على شاشة الهاتف.
ومن ثم فأن الوعي القانوني في زمن
الكاميرات لم يعد رفاهية بل ضرورة فالقانون يحمي الإنسان من أن يتحوّل إلى “محتوى” دون إرادته ويحمي المجتمع من فوضى النشر والتشهير والتجسس الإلكتروني.
ولذلك… فقبل أن تلتقط صورة أو تنشر فيديو اسأل نفسك:
هل ستقبل أن يفعل أحد هذا بك؟
وهل ستقبل توقيع العقوبات القانونية المبينة بعاليه عليك نتيجة هذا التصوير والنشر؟