ذكرى اغتيال المتوكل، شرارة تفكك الدولة العباسية
في مثل هذا اليوم قبل أكثر من أحد عشر قرنًا، أسدل الستار على واحد من أكثر عهود الخلافة العباسية إثارة للجدل، بعدما قتل الخليفة أبو الفضل جعفر «المتوكل على الله» داخل قصره في سامراء على يد حرسه الأتراك سنة 861م، في حادثة أصبحت علامة فارقة على بداية تفكك قبضة الخلافة المركزية وصعود النفوذ التركي داخل الدولة.
قصة حياة أبو الفضل جعفر
ولد في بغداد عام 822م، وهو ثالث أبناء الخليفة المعتصم، وجاء إلى الحكم عام 847م في فترة اتسمت بتزايد سلطة القادة الأتراك داخل الجيش والإدارة.
ومنذ لحظة صعوده، حاول أن يعيد التوازن إلى مؤسسة الخلافة، فعمل على الحد من نفوذ الأتراك، واستعادة دور الخليفة كقوة حاكمة وليس مجرد رمز شكلي وهذا التوجه خلق صراعًا مكتومًا امتد سبع سنوات، وانتهى بالانفجار.
على المستوى الاجتماعي، لم تكن رحلة المتوكل في الحكم مستقرة، حيث أجرى تغييرات سياسية ودينية وحاول الحد من نفوذ المعتزلة وإعادة تشكيل المشهد الفقهي في البلاط العباسي.
كما اتجه إلى تعزيز العمران في سامراء، فأسس القصور والحدائق، محاولًا خلق مركز قوة جديد بعيدًا عن بغداد وصراعاتها.
نهاية المتوكل على الله
لكن التوتر تصاعد بعد أن ضاق المتوكل ذرعًا بالتدخل التركي في قرارات الدولة، وكلما أحس القادة الأتراك أن سلطتهم مهددة، ومع نهاية عام 861م، تشابكت المؤامرات داخل القصر، حتى انتهت الليلة الأخيرة باغتياله على يد عدد من الحرس، وبمشاركة مباشرة من ابنه المنتصر الذي خلفه على العرش فورًا.
إرث الاغتيال وتأثيره على الدولة العباسية
لم يكن مقتل المتوكل مجرد حادث سياسي عابر، بل نقطة تحول فجرت ما عرف لاحقًا بـ عصر سيطرة الأتراك على الخلافة، حيث أصبح الخلفاء بعده محاصرين بنفوذ الأتراك، ينتقلون بين العرش والخلع تبعًا لولاءات متقلبة.
وتعتبر المصادر التاريخية هذا الاغتيال بداية التآكل الحقيقي لهيبة الخلافة، وفتح الباب أمام تحولات عميقة أدت لاحقًا إلى صعود دول مستقلة داخل المجال العباسي.
ومع مرور الزمن، ظل المتوكل شخصية مثيرة للبحث، فمن ناحية هو خليفة حاول إعادة مركزية السلطة في زمن معقد، وواجه صراع القوى في قلب الدولة، إلى أن سقط ضحية التجاذبات التي صنعها هو من جهة، ورسختها تزايد العنصر التركي من جهة أخرى