في ذكرى رحيله، محطات في حياة الفيلسوف الأندلسي ابن رشد.. تولى قضاء قرطبة ونفي لقرية يهودية بعد اتهامه بالزندقة
ابن رشد، مفكر وفيلسوف وفقيه أندلسي، بل هو من أهم فلاسفة المسلمين تبنى الفلسفة منهجه ودافع عنها كما يعد من كبار علماء المسلمين خلال فترة حكم الأندلس، التي امتدت لثمانية قرون، تمكن من بناء فلسفة عربية إسلامية خالصة قادرة على النهوض بالفكر، برع في الطب والفقه والفيزيا والفلك، رحل في مثل هذا اليوم 10 ديسمبر عام 1198 م.
ابن رشد من أهم فلاسفة الإسلام، دافع عن الفلسفة وصحح للعلماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا والفارابي فهم بعض نظريات أفلاطون وأرسطو عانى كثيرًا من أجل أفكاره بنفيه وحرق كتبه في الفلسفة لكنه لم يحِد عن أفكاره ولم يعتذر.
كبير في علمه وتواضعه
في مؤلفه "ابن رشد الفيلسوف" وصفه محمد يوسف موسى قائلًا: كان ابن رشد إمام عصره في الفقه وعلوم الفلسفة، وكان مع ذلك أشد الناس تواضعًا، وأخفضهم جناحًا، وكان كبيرًا في علمه كبيرًا في تواضعه، عرف العالم فضله في الوقت الذي كان ينكره ولا يعرفه فيه العرب، وما تأخروا إلا بتركهم ملكة العقل التي يعد ابن رشد أحد أشهر روادها، وكان محمد يوسف قد رأى بعينه أكثر ما آلمه طرده وابنه من المسجد يومًا في قرطبة، حينما هما بدخوله لأداء صلاة العصر وتم طردهما.

ولد الفيلسوف أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد عام 1126 م، في مدينة قرطبة، وقد نشأ في أسرة عريقة بالأندلس مارست الفتوى والزعامة الفقهية، عرفت بالمذهب المالكي، درس الفقه على المذهب المالكي والعقيدة على المذهب الأشعري ودعا إلى استخدام العقل.
العلم وراثة في الأسرة
جد ابن رشد الأكبر كان فقيهًا أندلسيًّا، ويذكر الأديب الكبير عباس العقاد في كتابه "ابن رشد" أن هذين الفيلسوفين ــ ابن رشد الكبير وابن رشد الحفيد ــ قد كانا في نفسيهما آية من الآيات على مبلغ ذلك العصر من ازدهار الثقافة، فكان العلم وراثة في أسرة كل منهما يتعاقبه منها جيل بعد جيل، وكان الذاكرون إذا ذكروهم ميزا بينهم باسم الجد والابن والحفيد، فيقولون: ابن رشد الجد، ابن رشد الابن، بن رشد الحفيد.
شروح مستفيضة لفلسفة أرسطو
درس ابن رشد -الحفيد- فلسفة أرسطو فقدم شروحًا مستفيضة لها أثرت في أوروبا في العصور الوسطى، وكان له تلاميذ وأتباع وكان له مؤيدين ومدرسة كاملة الأركان هي الرشدية اللاتينية في أوروبا وكان مهدها في باريس، أيضا كان لهم خصوم.
خمسون كتابا في مختلف العلوم
عكف ابن رشد على القراءة والكتابة والتأمل منذ صغره، ووضع خمسين كتابًا وكانت مؤلفاته تحوي كنوزًا من العلوم المختلفة إلا أن أهمها كانت مؤلفاته في الفلسفة، فقد كان فكره قائمًا على الدعوة إلى التنوير وإعمال العقل.
تولى ابن رشد منصب القضاء في إشبيلية عام 1169، ثم قاضي القضاة في قرطبة، انتقل بعدها إلى مراكش ليعرض فكره بحرية وكان من المقربين من أمير الموحدين أبي يعقوب يوسف الذي ألحقه بالبلاط طبيبًا قرابة عشر سنوات مما أشعل نار الحقد في قلوب بعض من الفقهاء المتشددين الذين استطاعوا تأليب أمير الموحدين في مراكش يعقوب المنصور ضده بدأوا الهجوم على علوم الفلسفة والمنطق فيما عرف بمحنة ابن رشد.

بدأت المحنة والمعاناة حين أمر المنصور بتقديم ابن رشد للمحاكمة بعد اتهامه بالزندقة، وأمر بإحراق كتب الفلسفة وعلومها، وحظر الاشتغال بالفلسفة، ونفي ابن رشد إلى قرية يهودية بالأندلس تسمى "أليسانة" وبعد سنوات في المنفى شهد له بعض العلماء بأشبيلية بالصواب في أفكاره فعفا عنه المنصور واسترضاه وعاد إلى مراكش وألحقه المنصور ببلاطه، ولم يستمر إلا شهورًا حتى رحل في مثل هذا اليوم عام 1198، ونقل رفاته إلى قرطبة ليدفن في مدافن الأسرة.
عالم احترم العقل
وصفه مؤرخ العلوم روث جلاسن بعالم مفسر احترم العقل وقدر قيمته، استحدث عدة فرضيات جديدة عن الطبيعة عن طريق مناقشة الكتابات القديمة فكانت أعماله مهدًا لنظريات وأفكار مبتكرة.