خاتم الشهداء، الكنيسة تحيي ذكرى البابا بطرس السابع عشر
تحيي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الذكرى السنوية لاستشهاد البابا بطرس السابع عشر، المعروف في التراث القبطي بلقب “خاتم الشهداء”، في مناسبة تعود إلى واحدة من أكثر مراحل التاريخ الكنسي ثراءً بالأحداث والتحولات الروحية والوطنية.
قصة البابا بطرس
وُلد البابا بطرس لأسرة تقية في الإسكندرية، لوالده القس ثاؤدسيوس ووالدته صوفية، بعد سنوات طويلة من انتظار الذرية، بحسب المصادر الكنسية، حيث ارتبطت ولادته برواية روحية تناقلتها أجيال الأقباط، تبدأ بصلاة والدته في عيد الرسولين وتنتهي ببشارة سماوية بقدوم طفل يحمل اسم بطرس. ومع بلوغه السابعة من عمره، جرى إلحاقه بالمدرسة اللاهوتية في الإسكندرية، حيث تلقى علوم الكتاب المقدس والوعظ والإرشاد، ثم سيم شماسًا، قبل أن يتدرج في خدمة الكنيسة حتى صار أقرب تلاميذ البابا ثاؤنا.
عقب نياحة البابا ثاؤنا، جلس بطرس على الكرسي المرقسي، لتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ الكنيسة في ظل أوضاع سياسية ودينية مضطربة، كان أبرزها تصاعد الضغوط الوثنية في عهد الإمبراطور دقلديانوس. وخلال رئاسته الكنسية، واجه البابا بطرس واحدة من أخطر الأزمات العقائدية في التاريخ المسيحي المبكر، مع ظهور أفكار أريوس، حيث حاول إقناعه بالتراجع عن تعاليمه، قبل أن يصدر قرار حرمانه من شركة الكنيسة، في موقف اعتبره المؤرخون لحظة فاصلة في الدفاع عن الإيمان المستقيم.
وتشير المدونات الكنسية إلى أن المواجهة بين البابا بطرس والسلطات الوثنية بلغت ذروتها عندما وصل أمر ملكي بالقبض عليه، لاتهامه بالتحريض على ترك عبادة الآلهة، فتعرضت مناطق واسعة من البلاد للقمع، قبل أن يتم اعتقاله وإيداعه السجن. ومع تجمع الشعب حول محبسه خشية المساس به، اختار البابا أن يسلم نفسه للموت طوعًا، تفاديًا لإراقة مزيد من الدماء، في موقف يصفه الأقباط حتى اليوم بأنه ذروة في البذل والتضحية.
وفي مشهد إنساني مؤثر، طلب البابا من القائد المكلف بتنفيذ الحكم أن يُخرج سرًا من السجن عبر ثغرة في أحد الجدران، حتى لا يشهد الشارع اضطرابًا، وتوجه إلى موضع قرب قبر القديس مرقس كاروز الديار المصرية، حيث رفع صلاة أخيرة جاء فيها أن يكون دمه نهاية لسنوات الاضطهاد وسفك الدماء. وهناك جرى تنفيذ الحكم، لتُسجل تلك اللحظة في الوجدان القبطي كخاتمة لعصور أطلق عليها لاحقًا “عصر الشهداء”.
وتحرص الكنيسة القبطية في كل عام على إحياء هذه الذكرى عبر صلوات خاصة وقراءات طقسية تسلط الضوء على سيرة البابا بطرس السابع عشر، باعتباره نموذجًا للثبات على الإيمان والتضحية من أجل الجماعة. ويؤكد مسؤولون كنسيون أن هذه الذكرى لا تمثل مجرد حدث تاريخي، بل محطة روحية تعيد للأذهان قيمة التماسك المجتمعي في مواجهة المحن.
وتأتي هذه المناسبة في ظل اهتمام كنسي بتقديم سير الآباء الشهداء للأجيال الجديدة، باعتبارها جزءًا من الهوية الروحية والتاريخية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وترسيخًا لمعاني العطاء والصبر، في زمن تتزايد فيه الحاجة إلى نماذج أخلاقية تستلهم منها المجتمعات مفاهيم التضحية والإيمان.