فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

عباقرة ولكن مجهولون، محمد بن القاسم أصغر القادة في تاريخ الفتوحات الإسلامية

محمد بن القاسم الثقفي،
محمد بن القاسم الثقفي، أصغر قادة الفتح الإسلامي، فيتو

على مر التاريخ الإسلامي لمعت أسماء عباقرة في مختلف المجالات مثل: ابن الخطاب، والصديق، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن عبد العزيز، والبخاري، والشافعي، وابن حنبل، ابن سينا.. ابن رشد.. الكندي.. الفارابي.. الخوارزمي.. الطبري.. أبو حامد الغزالي.. البوصيري.. حتى محمد عبده.. المراغي.. المنفلوطي.. رفاعة الطهطاوي.. طه حسين.. العقاد.. أحمد شوقي.. عبد الحليم محمود.. محمد رفعت.. النقشبندي.. الحصري.. عبد الباسط.. وغيرهم، في العصر الحديث.


لكن هناك أسماء مهمة كان لها بصماتها القوية على العلم والحضارة، ولا يكاد يعرفها أحد، وفي هذه الحلقات نتناول سير بعض هؤلاء العباقرة المجهولين.

 

 


محمد بن القاسم، أصغر الأبطال في تاريخ

 الفتوحات الإسلامية "واجه نهاية مأساوية"

محمد بن القَاسم الثَقفي قائد أحد جيوش الفتح، واشتهر بكونه فاتح بلاد السِند.. يكاد يكون أصغر الأبطال في تاريخ الفتوحات الإسلامية، لكنه مع ذلك لم يسلم من كيد الكائدين فكات نهايته مأساوية!! 
يعتبر هو كونه آخر فاتح لها، وقد سبقه عدة قادة لفتح السند، اشهرهم سنان بن سلمة الهذلي وعبد الله بن سوار العبدي.
وكَان والده "القاسم الثقفي" واليًا على البصرة، والقاسم ابن عم الحجاج بن يوسف الثقفي.

نسبه

هو محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب الثقفي، يجتمع هو والحجاج بن يوسف في الحكم بن أبي عقيل.

نشأته

كان مولد محمد بن القاسم في عام 72هـ بمدينة الطائف في أسرة معروفة، فقد كان جده محمد بن الحكم من كبار ثقيف.


وفي عام 75هـ عُين الحجاج بن يوسف الثقفي واليًا عامًّا على العراق والولايات الشرقية التابعة للدولة الأموية في عهد عبد الملك بن مروان، فعيَّنَ الحجاج ابن عمَّه القاسم واليًا على مدينة البصرة، فانتقل الطفل مُحمد بن القاسم إلى البصرة، فنشأ محمد بين الأمراء والقادة: فوالده أمير، وابن عم أبيه الحجاج أمير، وأكثر بني عقيل من ثقيف قوم الحجاج أمراء وقادة، وكان لذلك تأثيرا كبيرا في شخصية محمد.

أنشأ الحجاج مدينة واسط التي صارت معسكرًا لجنده الذين يعتمد عليهم في الحروب، وفي هذه المدينة وغيرها من العراق نشأ وترعرع محمد بن القاسم وتدرب على الجندية، حتى أصبح من القادة وهو لم يتجاوز بعد 17 عامًا من العمر.

فتح السند

بدأت القصة باستيلاء قراصنة السند من الديبل بعلم من ملكهم "داهر" في عام 90 هـ على 18 سفينة بكل ما فيها من الهدايا والبحارة والنساء المسلمات، اللواتي عمل آباؤهن بالتجارة وماتوا في سرنديب وسيلان.
وقبل صيحة الاستغاثة بالمعتصم بعشرات السنوات، صرخت مسلمة من بني يربوع "وا حجاجاه، وا حجاجاه"، وطار الخبر للحجاج باستغاثتها.

سعى الحجاج بن يوسف الثقفي بكل السبل إلى استرداد النساء والبحارة بالطرق السلمية، إلا أن "داهر" اعتذر بأنه لا سلطان له على القراصنة.
جهز الحجاج جيشًا تلو الآخر، الأول بقيادة "عبد الله بن نهبان" ففشل وقُتل القائد، ثم أرسل الحجاج "بديل بن طهفة البجلي" فاستشهد أيضًا.

اغتاظ الحجاج بعد أن رأى قوّاته تتساقط، فأقسم ليفتحن هذه البلاد، وينشر الإسلام في ربوعها، فقرّر القيام بحملة منظمة، ووافق الخليفة الوليد بن عبد الملك، بعد أن تعهد له الحجاج أن يرد إلى خزينة الدولة ضعف ما ينفقه على فتح بلاد السند.


اختار الحجاج على محمد بن القاسم الثقفي ليقود جيش الفتح؛ لِما رآه فيه من حزم وبسالة وفدائية، وسانده في قيادة الجيوش عدة قادات، منهم: مُحمَّد بن مُصعب بن عبد الرحمٰن في مُقدِّمة الجيش.. موسى بن سنان بن سلمة الهذلي في ميسرة الجيش.. جهم بن زحر الجعفي في مُؤخرة الجيش.. عطيَّة بن سعد العوفي في يمين الجيش.
أمده الحجاج بكل ما يحتاج إليه في ميدان القتال من عتاد، وتحرك محمد بن القاسم الثقفي بجيشه المكون من 20 ألف مقاتل.
اجتاز الجيش حدود إيران في عام 90هـ إلى الهند، وظهرت مواهب محمد بن القاسم الفذة في القيادة وإدارة المعارك، فحفر الخنادق، ورفع الرايات، والأعلام، ونصب المجانيق، ومن بينها منجنيق كانوا يسمونه "العروس" كان يقوم بتشغيله 500 جندي، تقذف منه الصخور إلى داخل الحصون فيدكها دكًّا.

سقوط عاصمة السند

بعدها اتجه نحو بلاد السند، فبدأ بفتح مدينة بعد مدينة لمدة سنتين، ثم زحف إلى الديبل "كراتشي حاليا"، فخندق الجيش بخيوله، وأعلامه، واستعد لمقاتلة الجيش السندي المكون من 50 ألف مقاتل، بقيادة الملك "راجا داهر" حاكم الإقليم، في معركة الراور عام 92هـ.

الفتوحات الإسلامية في شرق العالم، فيتو
الفتوحات الإسلامية في شرق العالم، فيتو


قاتل المسلمون بشجاعة منقطعة النظير، وانتصروا، وقُتل ملك السند، وسقطت عاصمة السند في أيدي المسلمين.

فتح مدينة مومباي

واصل محمد بن القاسم تقدمه في بلاد السند، ونجح في إخضاع مدنها، ولم يبقَ أمامه إلا قوة الملك "دوهر" ملك الكيرج.

مات الحجاج بن يوسف الثقفي في عام (95هـ) بينما معركة الكيرج دائرة، واستطاع فيها المسلمون بقيادة محمد بن القاسم الانتصار وقتل ملك الكيرج "دوهر"، ومع ذلك استمر محمد بن القاسم الثقفي في فتوحاته لبقية أجزاء بلاد السند، ونجح في بسط سلطانه على إقليم السند، وفتح مدينة الديبل في باكستان، وامتدت فتوحاته إلى ملتان في جنوب إقليم البنجاب.
توقفت الفتوحات عام 96هـ عند الملتان، وهي أقصى ما وصل إليه من ناحية الشمال، وبذلك قامت أول دولة إسلامية في بلاد السند والبنجاب "باكستان حاليًّا".

عزل البطل

استأنف محمد بن القاسم فتوحاته حتى وصل إلى مملكة "قنوج" على حدود الهند، فأوفد رسله إلى ملكها يدعوه إلى الإسلام أو الجزية، لكنه ردّ الرسل بعد أن أساء إليهم، فأعدّ محمد بن القاسم (10) آلاف فارسٍ، وبدأ يستعد للقتال، وأثناء ذلك وصلت الأخبار بموت الوليد بن عبد الملك وتولي سليمان بن عبد الملك، وكان يكره الحجاج بن يوسف وأهله وقادته، فأمر بعزل محمد بن القاسم الثقفي وعين مكانه "يزيد بن أبي كبشة".
واستحاب سليمان للوشاة، فلم يكتف سليمان بعزل محمد بن القاسم بل أمر بالقبض عليه، وحاول بعض أنصار ابن القاسم إغراءه بإعلان العصيان والاستقلال بحكم بلاد السند البعيدة عن مركز الخلافة، لكنه رفض.

مميزاته

ظهرت على محمد بن القاسم الثقفي دلائل النجابة والشجاعة وحسن التدبير في الحرب منذ نعومة أظفاره؛ مما جعل الحجاج بن يوسف الثقفي يعينه أميرًا على ثغر السند وهو لم يتجاوز 17 عامًا.
امتاز محمد بن القاسم برجاحة الميزان في التفكير والتدبير، وفي العدل والكرم، إذا قورن بكثير من الأبطال، وهم لا يكادون يبلغون مداه في الفروسية والبطولة، وشهد له بذلك الأصدقاء والأعداء، حتى أنه أدهش الهنود بعدالته وسماحته، فتعلقوا به تعلقًا شديدًا.

أيضا، اتصف محمد بن القاسم بالتواضع الرفيع، فكان في جيشه من يكبر أباه سنًّا وقدرًا، فلم تجنح نفسه معهم إلى الزهو والمباهاة، ولكنه لم يكن يقطع أمرًا إلا بمشورتهم، أقام المساجد في كل مكان يغزوه، وعمل على نشر الثقافة الإسلامية مبسطة ميسرة.

نهاية مأساوية

بعد عزله، عاد محمد بن القاسم الثقفي، مقبوضا عليه إلى العراق، بعد أن اتهمته ابنة داهر ملك السند الذي قتله محمد بن القاسم؛ أن محمد راودها عن نفسها ونالها قسرًا، فأرسله والي العراق صالح بن عبد الرحمن مقيدًا بالسلاسل إلى سجن مدينة واسط، وهناك عانى ألوان العذاب شهورًا حتى مات في عام 95هـ، عن عمر يناهز 23 عامًا فقط.

يوجد ضريحه في مدينة النعمانية بمحافظة واسط في العراق.