الأزهر يطلق "المشروع الصحي الإستراتيجي" لمكافحة أمراض العصر وحماية طلابه من الأمراض المزمنة
في إطار توجه جديد لرفع جودة الحياة والصحة العامة لطلابه، يستعد الأزهر الشريف لإطلاق مشروع صحي متكامل وغير مسبوق يستهدف قطاع المعاهد الأزهرية، مُركزًا على معالجة قضايا السمنة، النحافة، والخمول البدني، وما يترتب عليها من أمراض مزمنة ومشكلات نفسية وسلوكية كـ التنمر. يعتمد المشروع على نموذج علمي يدمج بين التغذية والنشاط البدني والدعم الحقوقي والصحة النفسية.
المشروع، الذي وصفه القائمون عليه بأنه "نقلة نوعية صحية"، حظي بموافقة رسمية من فضيلة الدكتور محمد عبد الرحمن الضويني، وكيل الأزهر الشريف، في 4 نوفمبر الجاري.
الدعم المؤسسي الحاسم: رؤية رئيس القطاع وتوجيهاته
ومن جانبه كشف الدكتور أحمد صيام، عضو المكتب الفني لرئيس قطاع المعاهد الأزهرية ومدير المشروع، أن فكرة المشروع تبلورت عبر سنوات من الخبرة الميدانية التي رصدت ارتفاعًا في حالات الخمول والتخمة والأمراض المزمنة بين الطلاب. يقول د. صيام: "هذا المشروع يعتبر نقلة نوعية صحية بالنسبة لطلاب المعاهد الأزهرية، ويهدف إلى وضع الطلاب في بيئة مدرسية آمنة وداعمة، تعزز التوعية الصحية وتقلل من آثار الخمول البدني.
المشروع لا يستهدف الوزن فقط بل يمتد ليبني مجتمعًا أزهريًّا رائدًا يتمتع بكفاءة صحية عالية." ويضيف الدكتور صيام تأكيدًا على الدعم المؤسسي الحاسم، أن قوة دفع المشروع بدأت فعليًا منذ اعتماده من قِبل فضيلة الشيخ أيمن عبد الغني، رئيس قطاع المعاهد الأزهرية. حيث لم يكتفِ فضيلته بالموافقة الرسمية فحسب، بل قدّم دعمًا مباشرًا وتوجيهات واضحة بضرورة الإخراج الجيد للمشروع، وضمان تنفيذه بأعلى معايير الكفاءة والشمولية. وقد أكد الشيخ عبد الغني على أهمية دمج الجانب الصحي والبدني مع الأبعاد التعليمية والتربوية، لضمان تخريج جيل أزهري متكامل البناء الجسمي والنفسي.
التوافق الاستراتيجي: المشروع شريك في رؤية الدولة
يأتي هذا الطموح متسقًا بشكل عميق مع الرؤية الاستراتيجية للدولة المصرية لمواجهة النحافة والسمنة وتجنب الخمول البدني للوقاية من الأمراض المزمنة، ليكون الأزهر شريكًا فاعلًا في تحقيق هذه الأهداف التنموية. وفي هذا السياق، أكد الدكتور أحمد خليفة الشرقاوي، رئيس الإدارة المركزية لشؤون التعليم بقطاع المعاهد الأزهرية، أن "المشروع يمثل استجابة حقيقية وعميقة لمبادرات الدولة المصرية نحو بناء الإنسان. الحفاظ على اللياقة البدنية والصحة العامة لطلابنا هو جزء لا يتجزأ من العملية التعليمية الناجحة. نحن نؤمن بأن الطالب السليم جسديًا هو الأقدر على التحصيل العلمي والتميز المعرفي. لذا، فإن هذا المشروع هو تتويج للجهود المبذولة لضمان بيئة تعليمية آمنة وصحية داخل كل معهد أزهري".
المنهجية الثلاثية والشراكات لخفض أمراض العصر
يعتمد المشروع على منهجية تدمج ثلاث ركائز أساسية: البيولوجية ("التغذية والنشاط")، النفسية ("الدعم ومكافحة الوصم")، والحقوقية ("التمكين الدستوري ضد التنمر"). يستهدف المشروع خفض معدل الإصابة بأمراض العصر الناتجة عن الخمول البدني، والتي تشمل: "ارتفاع ضغط الدم، زيادة نسبة الكوليسترول، مرض السكري، أمراض القلب وتصلب الشرايين الناتجة عن الخمول البدني والتغذية، وإصابات المفاصل والأربطة والعظام". كما يعمل على الارتقاء بالحال الصحية للطلاب ذوي الإعاقات الحركية والإصابات. لضمان تطبيق أحدث بروتوكولات التدريب والتأهيل، يعتمد المشروع على: الشريك التخصصي: وزارة الصحة والسكان متمثلة في المعهد القومي للتغذية، كشريك أساسي تخصصي في التشخيص الدقيق وتصميم الخطط الغذائية القائمة على البراهين. الشريك الأكاديمي: جامعة الأزهر والجامعات المصرية في تطوير المحتوى العلمي وتوفير الأساتذة.
نظام التتبع والتدريب واستدامة الأثر
يؤكد مدير المشروع أن أمد المشروع هو عام دراسي كامل متكرر لضمان الاستدامة وتراكم الأثر الإيجابي، ويتضمن مراحل تنفيذ محددة تشمل: إعداد دليل القياس الخاص بالمعايير، وتطبيق القياسات الموحدة، مع إدخال نظام تتبع رقمي للبيانات الصحية. تشخيص الطلاب وإجراء التحاليل الطبية الدقيقة للعينة المستهدفة بالتنسيق مع وزارة الصحة. تدريب الكوادر الأزهرية على نمط التعامل مع الطلاب، ويشترط للتقدم أن يكون المتقدم من العاملين بالأزهر الشريف وحاصلًا على درجة الدكتوراه أو الماجستير في تخصصات علوم الصحة أو التغذية الصحية.
البعد القانوني والسلوكي: تقييد "الجريمة" يبدأ بالصحة النفسية
ألقى الدكتور سامي فؤاد، مدير الإدارة القانونية بقطاع المعاهد الأزهرية، الضوء على البعد الحقوقي للمشروع، مؤكدًا أن المبادرة تتجاوز حدود الرعاية الصحية لتخدم هدفًا مجتمعيًا وقانونيًا أوسع وهو "تقييد السلوك الإجرامي للطلاب". يُوضح د. سامي فؤاد بعمق: "نحن لا نعالج وزنًا فقط، بل نعالج الأسباب الجذرية للتنمر. فمعالجة السمنة أو النحافة تُزيل 'السمة' التي يتخذها المُتنَمِر نقطة ضعف لممارسة سلوكه الإجرامي.
وهذا الفعل العلاجي لا يحد فقط من ظهور المشكلات النفسية لدى الضحية، بل يُحجّم في ذات الوقت رد الفعل السلبي أو العنيف الذي قد يصدر عن الشخص المتنمَر عليه نتيجة الضغط المتراكم." بهذا التكامل، يؤكد الدكتور سامي فؤاد أن الأزهر يرسخ مبدأ التمكين الدستوري والحقوقي للطلاب، مما يساهم بشكل مباشر في أمن وسلامة المجتمع الأزهري ككل، ويؤكد أن الاستثمار في صحة الطلاب هو استثمار استراتيجي في سلامتهم النفسية والاجتماعية، وفي تحسين كفاءتهم التعليمية.