عباقرة ولكن مجهولون، "باديس الصنهاجي" قائد بارع حكم تونس والجزائر بقبضة من حديد
على مر التاريخ الإسلامي لمعت أسماء عباقرة في مختلف المجالات مثل: ابن الخطاب، والصديق، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن عبد العزيز، والبخاري، والشافعي، وابن حنبل، ابن سينا.. ابن رشد.. الكندي.. الفارابي.. الخوارزمي.. الطبري.. أبو حامد الغزالي.. البوصيري.. حتى محمد عبده.. المراغي.. المنفلوطي.. رفاعة الطهطاوي.. طه حسين.. العقاد.. أحمد شوقي.. عبد الحليم محمود.. محمد رفعت.. النقشبندي.. الحصري.. عبد الباسط.. وغيرهم، في العصر الحديث.
لكن هناك أسماء مهمة كان لها بصماتها القوية على العلم والحضارة، ولا يكاد يعرفها أحد، وفي هذه الحلقات نتناول سير بعض هؤلاء العباقرة المجهولين.
باديس الصنهاجي، "قائد بارع حكم تونس والجزائر بقبضة من حديد"
هو أبو مناد باديس بن المنصور بن بلكين بن زيري بن مناد الحميري الصنهاجي (374 هـ -406 هـ).. و"الصنهاجي" نسبة إلى صنهاجة، وهي قبيلة مشهورة من حمير، وهي بالمغرب. والد المعز بن باديس، وحفيده الأمير تميم.
من ملوك الدولة الصنهاجية بالقيروان، فقد كان باديس يتولى ممالك إفريقية نيابة عن الحاكم العبيدي المدعي الخلافة بمصر، ولقبه الحاكم نصير الدولة، وكانت ولايته بعد أبيه المنصور.
وكان باديس ملكا كبيرا، حازم الرأي، شديد البأس، شجاعا موفقا، حسن التدبير والسياسة.
تولى الحكم بعد وفاة أبيه (سنة 386 هـ، واتخذ سردانية Sardaigne ثاني أكبر جزيرة في البحر الأبيض المتوسط) سكنا له، وأتاه تقليد القائم بأمر الله الفاطمي، من مصر.
ونشبت في أيامه فتن أثارها الطامعون في الملك من أقربائه، فتغلب عليهم وتمكن من قمعها، وتوفي فجأة.
مولده ونشأته
وُلد ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة مرت من شهر الأول سنة 374 هـ بآشير (مدينة آشير تقع في ولاية المدية بالجزائر).
كان أميرا على ممالك إفريقية (شمال إفريقيا "تونس والجزائر حاليًا") نيابة عن الحاكم الفاطمي المدعي الخلافة بمصر، ولقبه الحاكم "نصير الدولة"، وكانت ولايته بعد أبيه المنصور عام 386 هـ.
امتاز في عمله بالحزم والسياسة وشدة البأس، ولم يزل على ولايته وأموره جارية على الشداد، حيث حكم البلدان التي تولاها بيد من حديد.
وفاته
فِي يوم الثلاثاء 29 من ذي القعدة سَنَة 406 هـ، أَمَرَ جَيْشَهُ بِالعرض (الاصطفاف في طابر عرض)، فعرضوا بين يديه وهو في قبة السلام جالس إلى وقت الظهر، وسرَّه حُسنُ عسكره وأبهجه هيئتهم، وزيهم، وما كانوا عليه، وانصرف إلى قصره، ثم ركب عشية ذلك النهار في أجمل مركوب، ولعب الجيش بين يديه.
ثم رجع إلى قصره شديد السرور بما رآه من كمال حاله، وقدم السماط بين يديه، فأكل مع خاصته وحاضري مائدته، ثم انصرفوا عنه، وقد رأوا من سروره مالم يروه منه قط.
فلما مضى مقدار نصف الليل من ليلة الأربعاء نهاية ذي القعدة سنة 604 هـ، قضى نحبه، رحمه الله تعالى، فأخفوا امره ورتبوا لتولية أخيه "كرامت" ابن المنصور ظاهر، حتى وصلوا إلى ولده المعز فولوه، وتم له الأمر.
ويقال إنه مات بالخوانيق (جمع لكلمة "الخناق" الذي قد يشير إلى مرض الخناق "الدفتيريا")، حيث دعا عليه ولي الله، الصالح محرز الطرابلسي المؤدب؛ لأنه كان قد اعتزم تخريب طرابلس المغرب.
وأوضح كتاب "الدول المنقطعة" أن سبب موته أنه قصد طرابلس، ولم يزل على قرب منها عازمًا على قتالها، وأقسم ألا يرحل عنها حتى يعيدها فدنا للزراعة.
فما كان من أهل البلد إلا أن تجعوا عند ذلك إلى المؤدب محرز، وقالوا له: يا ولي الله، قد بلغك ما قاله باديس، فادع الله أن يزيل عنا بأسه، فرفع يديه إلى السماء.
ودعا الله، قائلا: يارب باديس؛ اكفنا باديس، فهلك (مات) في ليلته بالذبحة (الذبحة الصدرية). مات ودفن بالقيران.