فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

تصفية السير لي ستاك، قصة الاغتيال الذي أسقط أول حكومة وطنية في مصر الحديثة

عميل اعتيال السير
عميل اعتيال السير لي ستاك، فيتو

غدًا تحل ذكرى واحدة من أكثر اللحظات اشتعالًا في التاريخ المصري الحديث، ففي 22 نوفمبر من عام 1924، كانت القاهرة تواجه إعصارًا سياسيًا، بعد اغتيال السير لي ستاك سردار الجيش المصري، إذ تتبعته سيارة في شارع قصر العيني، وانطلقت منها رصاصات أنهت حياة الرجل الذي كان يعد أحد أهم أدوات السيطرة البريطانية على مصر والسودان، لذا لم يكن اغتياله مجرد عمل فدائي، بل ضربة في قلب المنظومة التي أرستها بريطانيا في مصر منذ احتلالها للبلاد عام 1882.

من هو السير لي ستاك ؟

كان السير لي ستاك ضابطًا بريطانيًا لكن صعد نجمه في الجيش المصري أثناء حكم الاحتلال، حيث تولى منصبين من أخطر مفاتيح النفوذ البريطاني، سردار الجيش المصري ـ القائد العام ـ ثم الحاكم العام للسودان، وكان دولة مشتركة إداريًا بين مصر وبريطانيا وفق صيغة الحكم الثنائي.

مع توليه المنصبين، أصبح ستاك الممثل المباشر لبريطانيا في أخطر ملفين، أولهم الجيش المصري، الذي سعت لندن طوال عقود إلى تحجيمه، وملف السودان، الذي اعتبرته جزءًا من استراتيجيتها الإمبراطورية للسيطرة على النيل والبحر الأحمر.

وعرف عن ستاك تشدده، وتمسكه بالخط البريطاني، ورفضه لأي مسار يمكن المصريين من نفوذ فعلي في السودان، لكن مع صعود الحركة الوطنية بعد ثورة 1919، ونمو مشاعر الغضب الشعبي ضد الاحتلال، أصبح الرجل رمزًا للسيطرة البريطانية، يراه الوطنيون عقبة أمام الاستقلال الحقيقي، خاصة بعد تقارير نسبت إليه مواقف عدائية تجاه الضباط والموظفين المصريين داخل الجيش والإدارة.

هل كان اغتيال السير لي ستاك متوقعًا ؟

بحلول عام 1924، كانت حكومة سعد زغلول تنفذ أول تجربة حكم وطني تقترب من الاستقلال، وهو ما أثار غضب الدوائر البريطانية، خصوصًا في ملف السودان لاسيما أن الحكومة المصرية أجرت تغييرات إدارية حاولت من خلالها تعزيز الوجود المصري هناك لتزيد التوتر.

ووسط هذا المناخ المشحون، بدا ستاك بحكم منصبه ونفوذه هدفًا محتملًا للعناصر الوطنية التي رأت أن الاحتلال لن يتراجع دون ضرب رموزه الأساسية.

فاتورة اغتيال السير لي ستاك 

أصبح اغتيال سردار الجيش المصري ذريعة جاهزة لبريطانيا لتمارس أعلى درجات الضغط على حكومة الوفد، وفي مساء مثل هذا اليوم، سلمت لندن إنذارها الشهير للحكومة المصرية يتضمن اعتذار رسمي، وتعويض مالي، والقبض على الجناة، وسحب الجيش المصري من السودان، ووقف أي نفوذ إداري مصري هناك، وكانت المطالب تحمل نبرة إذلال واضحة، تكشف نية بريطانيا استغلال الحدث لتصفية ما تبقى من استقلال القرار المصري في ملف النيل والجنوب.

ورغم موافقة حكومة سعد زغلول على ثلاثة من المطالب، لكنها أصرت على رفضها الانسحاب من السودان، واعتبرته من المطالب التي تمس جوهر فكرة الاستقلال التي حملها الوفد إلى الحكم، لكن لندن رفضت أي نقاش، فاستقال سعد زغلول في 24 نوفمبر 1924، بعد أقل من عام على توليه رئاسة الحكومة المنتخبة شعبيًا، حيث اختار الزعيم الوطني الاستقالة حفاظا على ما اعتبره الحد الأدنى من الكرامة الوطنية، ليترك خلفه درسًا قاسيًا عن فاتورة بقاء الوطن تحت يد قوة أجنبية تمسك بمفاتيح الجيش والنيل والقرار الوطني.