عندما كتب الدكتور طه حسين: لو كنت عضوا فى البرلمان
في جريدة "المصري" عام 1944 كتب عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين -ولد في مثل هذا اليوم 15 نوفمبر عام 1889 ورحل 1973- مقالًا أثناء انعقاد دورة برلمانية لمناقشة بيان وزير المالية، لم يعجبه أداؤه أمام تصرفات رئيس الوزراء إسماعيل صدقي، فكتب تحت عنوان "لو كنت عضوًا في البرلمان".
يقول الدكتور طه حسين: لو كنت عضوًا في مجلس الشيوخ أو في مجلس النواب لقلت لوزير المالية: لا تسمع لكلام صدقي باشا وأشباهه، فإنهم لا يقولون ولا يكتبون في السياسات المالية أو غير المالية إلا وهم يذكرون مصالح أنفسهم قبل أن يذكروا شيئًا آخر، فهم لا يذكرون إلا ما يمسهم من السياسة المالية أو غير المالية من قريب أو بعيد، وهم يقولون ويكتبون ليدافعوا عن أنفسهم وما قد تناله هذه السياسة من نقص لمصالحهم حتى لو كان هذا النقص وهميًا أو خياليًا.
لا يفكرون في رخاء الشعب
وأضاف طه حسين: نعم، لو كنت عضوًا في البرلمان لقلت لوزير المالية إن صدقي وأشباهه لا يفكرون في رخاء الشعب أو إرضائه، ولا في إصلاح مصر ولا في رقيها بمقدار ما يفكرون في أموالهم وأعمالهم ومنافعهم، وأذكر يوم فكرت الحكومة في منع تجارة الفاكهة بين مصر وبلاد الشرق الأدنى، ثار صدقي باشا يحتج ولم يفكر في أن يأكل المصريون الفقراء البرتقال وما يشبهه من الفاكهة بعد أن حرمت عليهم ثمرات مصر لأن أصحابها يؤثرون المال على الشعب.
إنصاف الموظفين وأصحاب المهن
وتابع طه حسين في مقاله: لو كنت عضوًا في البرلمان لقلت لوزير المالية: ليس إنصاف الموظفين عيبًا، وإرضاء الطوائف ــ أصحاب المهن والحرفيين ــ عيبًا، فالموظفون والطوائف من أبناء الشعب والدولة وُجدت لتنصف الشعب وترضيه وتمكنه من الرقي والاستمتاع بالحياة على أوسع وجه ممكن.

وأكد ــ طه حسين ــ لوزير المالية أن الحياة قوام الفضيلة وقوام الرجولة، وأن هناك أشياء كثيرة لا ينبغي أن تقال، وهم لا يفكرون تفكيرًا مستقيمًا، لأن الموظفين والطوائف الذين ستنصفهم الحكومة أو ترضيهم لا يأخذون الأموال ليشتروا بها الأرض أو يستثمروها في المصارف أو ليكنزوها حيث يعلم الله، وإنما يأخذون هذه الأموال لينفقوها على حياتهم وعيالهم، فهم يأخذون من الحكومة ليردوا على الشعب، وهم بذلك لا يعطلون حركة الإنتاج بل على العكس يزيدونها قوة ورخاء، فالإنصاف خير من الناحية الاقتصادية التي يستأثر بعلمها والقول فيها أصحاب الأموال والأعمال.
العناية بصحة الشعب واجبة
أصحاب الأموال هؤلاء لا يجارون التطور السياسي والاجتماعي، إن العناية بصحة الشعب واجبة، لأن من حق الشعب على الدولة أن تعنى بصحته، وأن الشعب ليس أداة ولا ماشية يجب أن نعنى بها لتكون أكثر إنتاجًا وأعظم نفعًا، وإنما الشعب والناس هم الغاية لكل نظام سياسي أو اجتماعي.
الغلاء أصبح لا يطاق
وأضاف عميد الأدب العربي: أيضًا الغلاء أصبح لا يطاق، والأجور التي تعطى للموظفين والطوائف بعيدة كل البعد عن أن تلائم هذا الغلاء وتواجهه، ولا تمكنهم الأجور المتدنية من أن يؤمنوا أولادهم الجوع والبؤس والحرمان، ولن أطلب من الميزانية شيئًا، بل عليك يا وزير المالية أن تفرض ضرائب وأنت غير متردد أو متحفظ، وهذا نظام معمول به في أوروبا وأمريكا، بل إن أصحاب المال هناك ينفقون بسعة على التعليم والصحة وأعمال الخير والبر.