الحقيقة الصادمة، لماذا فشل صدام حسين في ضم الكويت بعد 16 عاما من التخطيط؟
في مثل هذا اليوم من عام 1994، أعلن مجلس قيادة الثورة في العراق وهو الهيئة العليا التي حكمت العراق فعليًا منذ صعود حزب البعث، برئاسة صدام حسين، وكان يضم نخبة عسكرية وسياسية تتولى إصدار القرارات والقوانين الكبرى، بما فيها إعلان الحرب أو توقيع المعاهدات، اعتراف العراق بسيادة دولة الكويت واستقلالها السياسي، في خطوة اعتبرها العالم نهاية أزمة هزت الشرق الأوسط مطلع التسعينيات.
وجاء الاعتراف بعد أربع سنوات فقط من الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990، حين تحول الخلاف الحدودي القديم بين البلدين إلى واحدة من أعنف الأزمات العسكرية والسياسية في التاريخ العربي الحديث.
جذور الخلاف بين الكويت والعراق
تعود جذور النزاع بين العراق والكويت إلى ما قبل تأسيس الدولتين بشكلها الحديث، فالعراق كان يرى أن الكويت جزء من ولاية البصرة العثمانية، ويرى أن استقلالها عام 1961 جاء نتيجة مؤامرة استعمارية بريطانية لفصلها عن الجسد العراقي.
ومنذ ذلك التاريخ ظل الخطاب السياسي في بغداد يتراوح بين المطالبة العلنية بضم الكويت، والقبول المؤقت بحدود الأمر الواقع تحت ضغوط عربية ودولية.
أسباب إشعال الصراع بين العراق والكويت على الحقوق التاريخية
في عام 1961، أرسل الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم قواته إلى الحدود مهددًا بضم الكويت، لكن الجامعة العربية تدخلت سريعا ونشرت قوات عربية لردع الغزو، ليتوقف الطموح العراقي عند هذا الخط الفاصل، لكن الفكرة لم تبتعد كثيرا عن أحلام نفس الطبقة السياسية في العراق، بل ازدادت حدة في الخطاب القومي خاصة مع صعود حزب البعث إلى السلطة عام 1968.
ومع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، دعمت الكويت العراق ماديًا ولوجستيًا، باعتباره يدافع عن البوابة الشرقية للعرب، غير أن نهاية الحرب حملت بذور أزمة جديدة؛ بعد أن خرج العراق مثقلًا بالديون، واشتعل غضبا عندما طالبت الكويت بسداد قروضٍ تجاوزت 14 مليار دولار من أجل الحرب.
بدأت الاتهامات العراقية للكويت تتزايد بتجاوز حصصها النفطية في منظمة أوبك، مما أدى إلى انخفاض الأسعار وإلحاق الضرر بالاقتصاد العراقي المنهك، كما اتهمت بغداد الكويت بالتنقيب عن النفط في حقل الرميلة المتنازع عليه، وهي الاتهامات التي استخدمها صدام حسين لتصعيد الأزمة وتحويلها إلى مواجهة مفتوحة.
الأزمة الكبرى، بداية الصراع العسكري بين العراق والكويت
في الثاني من أغسطس 1990، اجتاحت القوات العراقية الكويت خلال ساعات قليلة، وأعلنت القيادة السياسية توحيد الكويت مع العراق، وجرى تنصيب حكومة صورية سميت بـ «جمهورية الكويت الحرة»، لكن الغزو أثار رد فعل عالمي غير مسبوق، وخلال أسابيع تشكل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، وأصدر مجلس الأمن سلسلة قرارات تطالب بانسحاب العراق دون قيد أو شرط.
وفي يناير 1991، انطلقت عملية عاصفة الصحراء التي أنهت الوجود العراقي في الكويت خلال ستة أسابيع فقط، لكنها تركت العراق محاصرًا سياسيًا واقتصاديًا، يرزح تحت عقوبات أممية قاسية استمرت طوال التسعينيات.
بعد أزمة التسعينات، كيف اعترف العراق بالكويت ؟
في عام 1994، وبعد سنوات من العزلة والعقوبات وتزايد الضغوط الدولية، أصدر مجلس قيادة الثورة العراقي بيانا رسميًا يعترف بسيادة الكويت ضمن حدودها المعترف بها دوليًا، تبعه تأييد من المجلس الوطني العراقي، في محاولة لتخفيف العزلة الدولية وإظهار حسن النية.
وجاء الاعتراف أيضا بعد أن رسمت الأمم المتحدة الحدود بين البلدين بموجب القرار 833 عام 1993، الذي أقر خطا حدوديا جديدا خسر العراق بموجبه أجزاء من أراض كان يعتبرها ضمن أراضيه، لكن الاعتراف لم يقتلع جذور الشكوك بين البلدين، فالكويت ظلت تتعامل بحذر شديد، وبقيت ذاكرة الغزو حاضرة في وجدانها، بينما واصل العراق الخضوع لعقوبات دولية حتى سقوط نظام صدام عام 2003.