ابن حزم الأندلسي، الفقيه الذي حاكم العقول بالنص
في مثل هذا اليوم من عام 994 ميلادية، ولد الفقيه أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي الشهير بـ ابن حزم، لأسرة أندلسية عريقة تنتمي إلى صفوة المجتمع القرطبي في أوج حضارته، حيث نشأ بين قصور العلم والسلطة، ثم رأى بأم عينه كيف تتهاوى الممالك بسبب تناحر التيارات الفكرية.
ملامح حياة ابن حزم
ولد ابن حزم في بيئة زاخرة بالجدل بين الفقهاء والمتكلمين، حيث كانت قرطبة في القرن الرابع الهجري مركزًا للفكر الإسلامي والفلسفة والعلوم، وهذه البيئة التي جمعت بين الترف والعلم والفتنة السياسية صنعت في ابن حزم روحا متمردة على التقاليد، لكنه لم يكن ثائرا عشوائيا، بل مفكرا يرى أن الخلاص يجب ان يكون في العودة إلى النص الصافي؛ القرآن والحديث بلا تأويل ولا قياس.
وتتجلى فلسفة ابن حزم في مذهبه الظاهري، الذي رفض فيه القياس والرأي، مؤكدا أن الدين لا يعرف بالعقل المجرد بل بالدليل الصريح، وفي كتابه الأشهر «الفصل في الملل والأهواء والنحل» واجه ابن حزم المذاهب الكلامية بجرأة منقطعة النظير، وحلل النصوص وجادل خصومه بأسلوب لاذع.
وفي كتابه «طوق الحمامة في الألفة والألاف» كشف ابن حزم عن وجه آخر أكثر رهافة وإنسانية، إذ جمع بين العاطفة والحب بلغة نادرة تجمع بين الأدب والعلم والفلسفة.
مظاهر اضطهاد ابن حزم
تعرض ابن حزم للنفي والمطاردة بسبب جرأته الفكرية ومواقفه السياسية، لكن ظل أثره ممتدًا في الفكر الإسلامي والعالمي، ويعده بعض الباحثين الغربيين أحد أوائل من أسسوا منهج النقد النصي في التراث العربي.
ويرى العديد من المثقفين أن تجربة ابن حزم كانت صرخة ضد التسلط الديني والفكري، ويعتبرونه أول من حاول تأسيس عقل ديني منضبط بالنص لا بالهوى، لذا تعتبر ذكراه بعد أكثر من ألف عام على ميلاده، مرآة لصراع العقل والنقل، والجرأة في مواجهة التقاليد، إذ لم يكن يبحث عن رضا السلطة أو الجمهور، بل عن الحقيقة وحدها.