فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

مقاطعة القاهرة في قمة بغداد، هكذا دفع العرب ثمن إقصاء مصر بعد كامب ديفيد

السادات، فيتو
السادات، فيتو

في مثل هذا اليوم من عام 1978، عقد في بغداد واحد من أكثر المؤتمرات العربية درامية في التاريخ السياسي الحديث، حين اجتمع القادة العرب في قمة استثنائية خرجوا منها بقرار غير ملامح الشرق الأوسط لعقد كامل تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية، ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس، عقابًا على توقيعها اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل.

تأثير قرار تعليق عضوية مصر على الأمة العربية 

خلف هذا القرار، كانت هناك مأساة أكبر، سقوط الفكرة العربية نفسها، حين اختارت الدول الأعضاء أن تقصي القاهرة، القلب الذي صنع معنى العروبة.

ويصف محمد حسنين هيكل في كتابه حرب الثلاثين سنة ـ الانفجار، أن تلك اللحظة كانت انقسامًا بين من أرادوا أن يعيشوا الواقع، ومن أرادوا أن ينتصروا عليه بالشعارات، موضحًا أن السادات، بعد حرب أكتوبر، كان يرى أن مصر دفعت فاتورة الدفاع عن العرب، وحان الوقت ليدفعوا فاتورة السلام، لكن العالم العربي لم يكن مستعدًا لسماع تلك اللغة.

في قمة بغداد، تصاعدت الأصوات الغاضبة، خصوصًا من سوريا والعراق والجزائر وليبيا، معتبرين أن مصر خرجت عن الصف العربي، فيما التزمت دول الخليج بمواقف أكثر تحفظًا، غير أن القرار اتخذ بالإجماع تقريبًا، باستثناء سلطنة عمان والسودان والصومال، الذين رفضوا قطع العلاقات مع القاهرة.

وفي اليوم التالي، أعلن الأمين العام للجامعة محمود رياض استقالته احتجاجًا قبل أن ينقل المقر رسميًا إلى تونس في العام التالي.

ضريبة إقصاء مصر من الواقع العربي 

مع مرور الزمن، تحول هذا القرار إلى لحظة ندم جماعي في الوعي العربي، إذ تشير وثائق الخارجية الأمريكية المنشورة لاحقًا إلى أن بعض الزعماء العرب أدركوا بعد سنوات أن عزل مصر منح إسرائيل تفوقًا استراتيجيًا طويل المدى، وترك العالم العربي بلا قيادة موحدة.

ويؤكد الدكتور بطرس غالي في كتابه طريق مصر إلى القدس، أن مصر لم تخسر العرب، بل هم من خسروا التوازن، فحين أبعدت القاهرة، لم يملأ أحد الفراغ الذي تركته، كما كان قرار قمة بغداد في جوهره إعلانًا عن نهاية مرحلة من القومية العربية التي ازدهرت في الخمسينيات والستينيات. 

ويقول المؤرخ عبد العظيم رمضان في كتابه الهام «أوراق من تاريخ مصر»، إن العرب لم يعاقبوا السادات بقدر ما عاقبوا أنفسهم، فبانسحاب مصر من قلب النظام العربي، انهار الجسر الذي كان يربط بين الخليج والمشرق والمغرب

وبالفعل خلال سنوات المقاطعة (1979–1989)، واجهت المنطقة أزمات متتابعة، الحرب العراقية الإيرانية، والاجتياح الإسرائيلي للبنان، وتراجع التنسيق العربي في كل الملفات الكبرى.

وفي مارس 1989، وبعد غياب عشر سنوات، عاد العرب إلى القاهرة، وعادت الجامعة إلى بيتها الأول، لكن العودة لم تمح الندوب القديمة كما كتب هيكل بمرارة: «لقد اكتشفوا أن العروبة بلا مصر، فكرة بلا قلب».