فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

إنها مصر

تجولت بسيارتي أتابع ما يجري في شوارع المحروسة من لمسات أخيرة قبل رفع الستار عن واحدٍ من أهم مشروعات مصر الثقافية، بل والعالم، في القرن الحادي والعشرين. عمَّال ينظفون الشوارع، وآخرون يلونون الجدران، وفريق ثالث يعيد إضاءة الشوارع، ولوحات فنية تعانق الجدران لا يزال الفنانون يضعون عليها لمساتهم الأخيرة.

درة متاحف العالم وأحدثها وأكبرها، المتحف الكبير واحدٌ من إطلالات مصر الثقافية التي يندر أن تقدمها دولة غيرها على ظهر الكرة الأرضية. هنا تتجلى أعظم حضارات العالم، أجل وأقدم حضارات الإنسان منذ أن وطئت قدماه الأرض بعد خروج آدم.

معزوفة أمنية تقدمها كافة أجهزة الدولة، في الشوارع والميادين والحارات، وعلى كل المحاور التي ترسم جزءًا من ملامح التطور المدهش في السنوات الأخيرة. قادة العالم على طائراتهم يتجهون إلى قاهرة المعز؛ فنادق القاهرة والجيزة تكتظ بآلاف الأجانب؛ رسميون ومواطنون جاءوا ليلامسوا تلك اللحظة التاريخية.

رؤساء وقادة ورؤساء حكومات ووزراء ومثقفون ومهتمون استقبلتهم مطارات القاهرة، وحالة انتشاء شعبية ظهرت ملامحها جلية على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن تحول كل مواطن إلى مصري قديم وفق تطبيقات مدهشة أضاءت جنبات مواقع السوشيال ميديا.

ربات بيوت وتلاميذ مدارس وفلاحون وعمَّال ومهندسون وأطباء تسابقوا إلى تطبيقات التحوُّل الفرعوني. عودةٌ إلى الجذور، تنصلٌ من واقع غير مريح إلى رحابة خيال يعيد إلى المصري أصوله وتاريخه وحضارته وإنسانيته وقيمته وقدرة بين الأمم.

استمساكٌ بعروة التاريخ التليد، وهوسٌ بما كنا عليه في ماضٍ سحيق، وهروبٌ من حاضر ألقى على كاهلنا رواسب الدونية والإحساس بالمهانة، وعلو من ليس لهم تاريخ ولا حضارة ولا ماضٍ يتمسكون به. معضلة نفسية تحتاج إلى كثيرٍ من الدرس والاعتبار والتأني.

ليس مجرد بناية شاهقة، أو مخزون يحكي قصة الإنسانية مع البناء والعلو، وليس مجرد افتتاح يحضره قادة العالم وينتهي بصور تذكارية لمن جاءوا وذهبوا، وليس حدثًا ضمن أحداث يلقي بها الزمان في سلة الذاكرة والذكريات، إنه استعادة موقف وعودة هوية والتصاق بتاريخ ما كان ينبغي لنا أن نتوه عنه أو يتوه عنا.

افتتاح المتحف الكبير أحدث هزةً في أرجاء المجتمع الإنساني التائه، صور النور الحضاري تسربت إلى نفوس عاشت وتعيش لحظات تاريخية في سنوات الغربة وسنوات التيه المصري، وسنوات العبث بأصل الإنسانية كلها، ومكانها هنا بين أحضان الجبال وفي كهوف المخابئ التي وضع فيها المصري القديم أعز ما أنتج وأنفس ما قدم.. إنها أصل الأرض وملاذه.. أصل القصة وتفاصيلها.. أصل الإنسان ومعركته مع البناء ضد التخريب... إنها مصر.