فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

ثلاثون عامًا على وادي عربة، كيف تحول الصراع الأردني الإسرائيلي إلى سلام بارد؟

اتفايقية وادي عربة،
اتفايقية وادي عربة، فيتو

العلاقات الأردنية الإسرائيلية هي خلاصة سبعة عقود من التوترات، والتفاهمات السرية، والحروب التي انتهت بمصافحة تاريخية في مثل هذا اليوم عام 1994 وأطلق عليها وادي عربة، والسؤال: كيف وصل الأردن إلى هذه اللحظة؟ 

علاقات الأردن والاحتلال الإسرائيلي 

منذ تأسيس الكيان الإسرائيلي عام 1948، كانت المملكة الأردنية الهاشمية في قلب الصراع العربي الإسرائيلي، ليس فقط من حيث الجغرافيا، ولكن من حيث الدور التاريخي فالأردن كان صاحب الوصاية على الضفة الغربية والقدس الشرقية، ودخل جيشه في حرب 1948 دفاعًا عن فلسطين، وتمكن الجيش العربي بقيادة الملك عبدالله الأول من الاحتفاظ بالقدس الشرقية حتى عام 1967.

لكن خلف ستار العداء المعلن، كانت هناك قنوات سرية للحوار بين الطرفين على أمل التوصل لتسوية تحفظ للأردن دوره في القدس وتمنع تهجير الفلسطينيين، غير أن اغتيال الملك عبد الله عام 1951 في المسجد الأقصى قطع هذا المسار المبكر من التواصل.

تحولات العلاقة بين الأردن وإسرائيل 

في حرب يونيو 1967، فقد الأردن الضفة الغربية لصالح إسرائيل، وهو الحدث الذي شكّل جرحًا وطنيًا عميقًا وأعاد ترتيب أولويات المملكة. ومع صعود منظمة التحرير الفلسطينية وتحول أراضي الأردن إلى ساحة مواجهة بين الفدائيين وإسرائيل، دخلت العلاقة مرحلة أكثر تعقيدًا.

وشهدت السبعينيات لحظات صدام مباشر وغير مباشر، خصوصًا بعد أحداث أيلول الأسود عام 1970، حين طرد الأردن الفصائل الفلسطينية المسلحة من أراضيه، ما أراح إسرائيل من جبهة نشطة كانت تقلقها، ومع ذلك ظل السلام بعيدًا، لأن الملك حسين كان يرى أن أي تسوية منفردة بدون حل شامل للقضية الفلسطينية ستضعف الموقف العربي وتفتح الباب لاتهامات الخيانة.

كيف كان الطريق إلى «وادي عربة» ؟ 

منذ نهاية السبعينيات بدأت اتصالات سرية جديدة بين عمان وتل أبيب، عبر وسطاء أمريكيين، خاصة بعد توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد عام 1979 لكن الملك حسين تمهل كثيرًا، وفضل انتظار لحظة نضج إقليمي تتيح للأردن أن يدخل المفاوضات حتى لايتعرض لما حدث للسادات. 

وجاءت اللحظة مع مؤتمر مدريد عام 1991، حين جلس الأردنيون والفلسطينيون على مائدة التفاوض المشتركة مع إسرائيل، وكان الملك حسين يقرأ المشهد بدقة، انهيار الاتحاد السوفيتي، وحرب الخليج التي أضعفت الموقف العربي الموحد، وصعود الدور الأمريكي كوسيط وحيد في الشرق الأوسط.

وبعد عامين من المفاوضات الهادئة، تم التوصل إلى اتفاقية وادي عربة، التي وقعت في 26 أكتوبر 1994 على الحدود بين العقبة وإيلات، بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وأنهت الاتفاقية رسميًا حالة الحرب بين البلدين، وحددت الحدود النهائية، ونظمت قضايا المياه والأمن والتجارة.

ورحب الغرب بالاتفاق بوصفه خطوة جديدة في عملية السلام، لكن الداخل العربي كان منقسمًا فالكثيرون رأوا أن الأردن اضطر للسلام تحت ضغط الظروف الدولية والإقليمية، فيما رأى آخرون أن الملك حسين اختار الواقعية السياسية لحماية بلاده من عزلة خانقة بعد حرب الخليج، ولضمان استقرار الحدود الأطول مع إسرائيل.

وبعد واحد وثلاثين عامًا، لا تزال اتفاقية وادي عربة تمثل حالة سلام بارد؛ فالعلاقات الرسمية قائمة، لكن المزاج الشعبي الأردني ما زال يحمل تحفظاته التاريخية، ومع ذلك تبقى الاتفاقية علامة فارقة في مسار الشرق الأوسط، إذ فتحت الباب لعقود جديدة من العلاقات الإقليمية التي تراوح بين التعاون والحذر، بين الضرورة والرفض.