مدد يا دسوقي، حكاية النداء الذي لم ينقطع منذ سبعة قرون في مصر
من زاوية المسجد الكبير بدسوق، تتردد كلمات «مدد يا دسوقي»، تمتزج أصوات الذكر بضجيج الزائرين، حشود كبيرة تلتمس الطمأنينة في ولي الأولياء سيدي إبراهيم الدسوقي، تتبدل ملامح مدينة دسوق لسبعة أيام كاملة تبدأ من اليوم، تضاء قباب المسجد الإبراهيمي احتفالًا بذكرى رحيل الولي الذي ترك أثرًا عميقًا في الوجدان الشعبي المصري منذ القرن السابع الهجري.
من هو إبراهيم الدسوقي؟
ولد إبراهيم بن عبد العزيز الدسوقي عام 633هـ / 1255م في مدينة دسوق، بمحافظة كفر الشيخ، ونشأ في بيت علم وتصوف، وتلقى علومه الأولى في الفقه الشافعي وعلوم القرآن، لكنه ما لبث أن اتجه إلى طريق الزهد والعرفان، متأثرًا بشيوخ عصره من أصحاب الطرق.
ويعود نسب أسرة ابراهيم الدسوقي كما يروي أصحاب الطريق إلى الإمام علي بن أبي طالب، وهو ما جعل محبيه ينادونه بـ «الشريف إبراهيم».
في منتصف شبابه، أسس طريقته الخاصة التي عرفت باسم الطريقة الدسوقية، إحدى الطرق الأربع الكبرى في مصر إلى جانب الشاذلية والرفاعية والبدوية، ورويت عنه كرامات كثيرة في كتب التصوف مثل الأنوار القدسية في مناقب الدسوقية، وجامع كرامات الأولياء، ومريديه أول من أطلقوا عليه القطب الرابع، أي أحد الأركان الروحية الأربعة للأولياء في مصر.
ويذكر المؤرخ والفقيه الشافعي عبد الوهاب الشعراني، في كتابه الطبقات الكبرى أن الدسوقي كان «ذا حالٍ غلب عليه السكون والتأمل، يجلس بالساعات لا يتكلم إلا بذكر الله».
ورغم الطابع الأسطوري لبعض الحكايات، لكن يظل ابراهيم الدسوقي بالنسبة لمريديه رمزًا للعمل الجاد والزهد في الدنيا، ونقل عنه قوله «من ترك الحرفة ترك البركة».
قصة «مدد يا دسوقي»
نداء «مدد يا دسوقي» الذي يملأ أرجاء مدينة دسوق كل خريف، ليس مجرد كلمات. في اللغة الصوفية، كلمة المدد تعني طلب العون الروحي من الولي، استحضار بركته لا بمعناها الغيبي الساذج، بل كرمز للقوة والمعنى الذي مثله في حياته، فالمريد حين يقول «مدد» لا يخاطب الغائب، بل يستحضر السيرة، يستدعي النور الذي خلفه الشيخ في النفوس، ولهذا ظل النداء جزءًا من الذاكرة الدينية الشعبية التي ترى في الأولياء وسائط للسكينة، لا بديلًا عن الإيمان.
ويرجح المؤرخون أن هذا النداء بدأ يشيع في القرون المتأخرة من العصر المملوكي، حين تكرست زيارة مقام سيدي إبراهيم كمظهر اجتماعي وديني في آنٍ واحد، ومع مرور الوقت، تحول إلى شعار روحي يردّده الزوار في طريقهم إلى المسجد الإبراهيمي، حتى أصبح علامة مميزة للمولد نفسه، وصوتا من ذاكرة مصر الصوفية.
وفاة ومكان دفن سيدي ابراهيم الدسوقي
توفى إبراهيم الدسوقي عام 676هـ / 1296م في مدينته دسوق، ودفن في الزاوية التي كان يعلم فيها أتباعه، وبعد وفاته تحول المكان إلى مزار، ثم بني المسجد الإبراهيمي فوق ضريحه في العهد المملوكي، ليصبح اليوم واحدًا من أبرز المزارات الصوفية في دلتا مصر.
أما مولده السنوي، فبدأ منذ مئات السنين، وتحول إلى أحد أكبر الموالد في المنطقة، ويقام في أكتوبر من كل عام لمدة أسبوع، ويحضره مئات الآلاف من الزوار والطرق الصوفية من داخل البلاد وخارجها، يتخلله الذكر والإنشاد وإطعام الفقراء، في مشهد يمزج بين الدين والتاريخ والفن الشعبي المصري.