فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

بين نوبل وقلادة النيل... جولة في متحف نجيب محفوظ حيث تسكن الحارة روح الأديب الخالد

من قلادة النيل إلى نوبل، متحف نجيب محفوظ يروي حكاية أديب صنع مجد مصر الأدبي (فيديو وصور)

متحف نجيب محفوظ
متحف نجيب محفوظ

في قلب القاهرة التاريخية، حيث تتقاطع الأزقة القديمة وتعبق الجدران برائحة الحكايات، يقف متحف نجيب محفوظ شاهدًا على رحلة أديب نوبل من الحارة إلى العالمية.


المتحف يحتضنه مبنى تكية محمد بك أبو الدهب الأثري، الذي يعود تاريخه إلى عام 1188 هـ / 1774م، وقد خصصته وزارة الثقافة المصرية منذ منتصف عام 2019 ليكون موطنًا لذاكرة محفوظ.

 اختيار هذا المكان لم يكن مصادفة، فهو يقع على بعد خطوات من البيت الذي وُلد فيه بحي الجمالية، وفي قلب المنطقة التي ألهمته رواياته الكبرى مثل بين القصرين وزقاق المدق والحرافيش.

رحلة بين القاعات حيث تنبض الحكايات

يتكوّن المتحف من طابقين، لم يُفتح منهما للجمهور سوى الطابق الأول حتى الآن، بينما ينتظر الطابق الثاني افتتاحه في مرحلة لاحقة. 

أما الدور الأرضي فقد خُصص لبيع كتبه ومحفوظاته وإصداراته التي ما زالت تستقطب الأجيال الجديدة من القراء.

في الطابق الأول، تبدأ الجولة من قاعة الشهادات والأوسمة، التي تضيء رفوفها قلادة النيل العظمى، أرفع وسام مصري مُنح لنجيب محفوظ تقديرًا لمسيرته الأدبية. وتجاورها أوسمته وشهاداته التي نالها داخل مصر وخارجها، وفيها يمكن للزائر أن يشعر بوقع التقدير الذي أحاط به محفوظ حتى بعد رحيله.

من هناك، ينتقل الزائر إلى قاعة نوبل، التي تعرض الشهادة الأصلية لجائزة نوبل في الأدب لعام 1988، فيما تبقى الجائزة نفسها بحوزة بناته، حفاظًا على خصوصية الإرث العائلي. 

هذه القاعة تحمل هيبة اللحظة التي حمل فيها محفوظ اسم مصر إلى منصة التتويج العالمي.

 

 

 

 

 

من المكتب إلى الحارة

 

في قاعة الحياة الخاصة، يقف مكتبه الأصيل كما كان في بيته مكتب خشبي بسيط.

أما قاعة الحارة الرمزية، فهي تجسيد فني لعالمه الروائي الذي جمع بين الفلسفة والبساطة، بين الشارع الشعبي والحكمة الإنسانية. جدران القاعة تحمل صورًا وشخصيات من رواياته، ومشاهد من الحارة التي كانت مرآة المجتمع المصري بكل تناقضاته.

وتأتي قاعة السينما لتوثّق رحلة محفوظ مع الفن، الذي وجد في رواياته منجمًا لا ينضب. هنا تُعرض ملصقات أفلام شهيرة مأخوذة عن أعماله مثل بداية ونهاية، اللص والكلاب، والكرنك، إلى جانب مقاطع سينمائية تخلّد أداء الممثلين الذين جسدوا شخصياته.

الرحيل الأخير... مذكرات بخط اليد وصوت باقٍ

في قاعة الرحيل الأخير، تسكن لحظة الوداع في كل زاوية. تضم القاعة مذكراته بخط يده، وتسجيلات صوتية له قبل رحيله. هناك، يشعر الزائر بأن محفوظ لم يرحل حقًا، بل يعيش بين السطور والذكريات.

كما خصص المتحف قاعة لحياته الجامعية، حيث تُعرض شهادة تخرجه في كلية الآداب – قسم الفلسفة بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا)، إلى جانب أوراق أكاديمية نادرة تروي بداية وعيه الفلسفي الذي أثّر في كتاباته كلها.

وفي نهاية الجولة، يوجد مركز المعلومات الذي يتيح للباحثين والمهتمين تصفح أرشيف نجيب محفوظ، من مقالاته النادرة إلى صور مراحل حياته المختلفة، في تجربة تمزج بين التراث والتكنولوجيا الحديثة.

ذاكرة الأدب التي لا تموت

ما بين قلادة النيل وشهادة نوبل، وبين دفتر المذكرات وصوت الأديب، يخرج الزائر من متحف نجيب محفوظ وهو يشعر أن الحارة لا تزال تنبض بالحياة، وأن محفوظ ما زال يكتب — وإن كان بقلمٍ من ذاكرة مصر نفسها.
ذلك المكان لا يخلّد شخصًا فقط، بل زمنًا كاملًا من الفكر والإنسانية، من القاهرة القديمة إلى العالم الواسع الذي حمل اسم محفوظ إلى الخلود.