المال الحلال اهو، رحلة "حمدية" اليومية وسط لهيب "الفرن البلدي" لمواجهة قسوة الحياة
بملامح رسمها الشقاء، وجلبابٍ يميل لونه إلى الأبيض بلون الدقيق، ووجهٍ صبغته حرارة الفرن البلدي الذي يشتعل بالحطب، تقف “حمدية” أمام لهبٍ يدخل إلى وجهها مباشرة، يمتزج بحرارة السنين ليشكل شخصية من طرازٍ فريد.
سيدة الخبز بطوخ القليوبية
تحاول أن تحتفظ ببعضٍ من أنوثتها التي غيّرتها الأيام؛ بحلقٍ وخاتم مطليين بلون الذهب، يظهران كأنهما من ذهبٍ حقيقي، مثل حياتها التي تخدع من يراها. تبتسم دائمًا، ابتسامة تبدو صادقة، لكنها تخفي وراءها همومًا لا تنتهي.

تبلغ “حمدية” من العمر 56 عامًا، وتُعد من أقدم الخبازات في مركز طوخ بمحافظة القليوبيةما زالت تتمسك بالفرن البلدي الذي يعمل بالحطب، وتُجيد صناعة أرغفة الخبز برائحةٍ وطعمٍ لا مثيل لهما.

من يعرفها، يعرف أنها لا تأخذ جنيهًا واحدًا فوق حقها، تقول دائمًا: "آخذ عرقي فقط ولا أقبل التبرعات".
بجهدها وتعبها، ربّت ابنها وابنتها على الحلال، منذ أن خرجت من بيت زوجها قبل عشرين عامًا، حاملةً طفلها الصغير الذي أصبح اليوم شابًا يحمل مؤهلًا متوسطًا وينتظر فرصة عمل، بينما تدرس ابنتها في الثانوي الفني، وكانت يومها جنينًا في أحشائها.

لم ترفع “حمدية” قضية على طليقها، فقد ضاقت الحياة بينهما لكنها قدّرت ظروفه الصعبة، واختارت أن تكون “رجل البيت”.
تنقلت بين وظائف عديدة من سكرتيرة لطبيب إلى عاملة في أماكن متفرقة لكنها وجدت في الخَبز رزقها وكرامتها، بالقرب من منزل والدتها المريضة التي تخشى اليوم فقدانها، ليس فقط كأم، بل كملجأ وسند.
طموح “حمدية” بسيط.. لا تبحث عن راتب كبير أو وظيفة حكومية، فقط بيت صغير يجمعها بابنها وابنتها، يقيهم برد الشارع إذا رحلت الأم.