فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

76 عاما على استقلال القضاء وإلغاء المحاكم المختلطة.. وفد قضائي يتسلم مفاتيح محكمة مصر وأختامها.. مسيو كوالي يسلم رئيس النقض مفاتيح الدواليب والأبواب والخزائن

مقر محكمة مصر المختلطة
مقر محكمة مصر المختلطة

يُعد يوم 14 أكتوبر من كل عام يومًا غير عادي في تاريخ القضاء المصري، فهو اليوم الذي شهد نهاية حقبة تاريخية في مسار العدالة في مصر. 

ففي مثل هذا اليوم من عام 1949، انتهت قصة القضاء المختلط الذي استمر في مصر لمدة 75 عامًا، هذا القضاء الذي كان يشرف على النزاعات بين المواطنين المصريين والأجانب في ظل النظام الاستعماري، والذي كان له تأثير كبير على الحياة القانونية في البلاد.

في 14 أكتوبر 1949، سلم قضاة المحاكم المختلطة مفاتيح المحاكم إلى قضاة المحاكم الوطنية، معلنين بذلك انتهاء هذه الحقبة، وإلغاء القضاء المختلط بشكل نهائي، ليبدأ عهد جديد من القضاء المصري الذي أصبح وطنيًا خالصًا، يمارس دوره في تحقيق العدالة بعيدًا عن التأثيرات الخارجية أو التدخلات الاستعمارية.

هذا اليوم يظل علامة فارقة في تاريخ القضاء المصري، حيث يمثل نقطة تحول كبيرة في تطور النظام القضائي نحو الاستقلال الكامل والتمكين للعدالة الوطنية.

وفد مصري يتسلم مفاتيح محكمة مصر المختلطة

 ذهب وفد مصرى مؤلف من 9 قضاة يرأسه رئيس محكمة النقض والإبرام محمد الجزايرلي بك ليتسلم مفاتيح محكمة مصر المختلطة وأختامها، وقد استقبلته لجنة من رجال القضاء المختلط يرأسها الإنجليزى مسيو كوالى رئيس محكمة الاستئناف المختلطة ــ سميت لجنة التسليم.

العدل أساس الملك 

بعد التسليم توجه رئيس النيابة المختلطة وباشكاتب المحكمة المختلطة إلى خزانة المحكمة وفتحاها وأحصيا ما بها من الأموال ــ كانوا أربعة آلاف جنيه ــ وسلم مسيو كوالى إلى رئيس النقض جميع الأختام ومفاتيح الدواليب والأبواب والخزائن وقدم إليه شعار القضاء المختلط وهو تاج من الذهب مكتوب عليه "العدل أساس الملك"، كما سلم كوالى النياشين التى أنعم بها عليهم جلالة الملك وتقدم زملاءه إلى الباب الخارجى لآخر مرة مشيعين بكل تقدير واحترام.

حفل شاي بدار الأوبرا 

فى اليوم التالى 15 أكتوبر أقيم احتفال كبير لاستقلال القضاء المصرى بعيدا عن الوجود المختلط بدار الأوبرا الملكية برئاسة وزير العدل محمد على علوبة حضره عبد الحميد بدوى باشا أحد القضاة الموقعين على وثيقة الاستقلال كما حضر المؤرخ عبد الرحمن الرافعى ومكرم عبيد، حضر الحفل مسيو كوالى الذى صرح قائلا "لقد كنت دائما أشعر شعور الضيف الذى لابد له من الرحيل يوما.

شعار القضاء المذهب 


أما النائب العام محمد عزمى فقال إن نفسه كانت تنقبض كلما سمع متهما يقول "أنا حماية" وكنت أقول لنفسى متى يجئ اليوم الذى تمحى فيه هذه الكلمة وقد جاء اليوم، ثم حضر الأمير محمد على ولى العهد نائبا عن الملك فاروق ومعه رئيس الوزراء وسلمه وزير العدل صندوقا فيه الأختام والمفاتيح الشعار المذهب لتحفظ جميعها بمتحف قصر عابدين.

المصريون كرماء بطبعهم 

وفى يوم الأحد 16 أكتوبر انعقدت أول جلسة فى محكمة مصر وجلس على منصتها محمد محمود باشا رئيس محكمة مصر الاستئنافية وحوله المستشارين ورجال القانون يتلقون التهانى وهم يقولون "هذه بضاعتنا ردت إلينا" وحضر النائب العام مستر هولز القاضى الإنجليزى كضيف فقط للتهنئة وقال فى كلمته "لقد أثبت المصريون دائما أنهم كرماء لضيوفهم، وكان البعض يظن هذا الكرم ضعفا.. وهذا خطأ.. لأن مصر هى البلد المضياف الذى يتمتع فيه الأجانب دائما بما لا يتمتعون به فى بلادهم.

ودخل الاحتفال مجموعة من المحامين الوطنيين مرتدين الأرواب برئاسة نقيبهم عمر عمر الذى قال: إنى قد رجعت إلى عهد الشباب لقد آن الأوان لتمحى هذه الوصمة من تاريخنا.

محمد علوبة وزير العدل فى الاربعينات 
محمد علوبة وزير العدل فى الاربعينات 


وفى مساء نفس اليوم أقام محمد علوبة باشا وزير العدل حفلا بقصر الزعفران حضرها رئيس  الوزراء والقاضى الشرعى حسن مأمون ومسيو انجليزوس زسمير يادس من القضاء المختلط ومحمود بك صادق ومحمد بك رمضان وعبد العزيز حلمى بك من قضاة المحاكم الوطنية، وقدمت التورتة على شكل ميزان العدل فسأل أحد القضاة " ضاحكا: هل هذا الميزان مختلط ؟ فرد عليه وزير العدل قائلا: لا بل وطني من اليوم مابقناش نوزن برة.

إلغاء الامتيازات الأجنبية 

وفى كلمته قال عبد الرحمن الرافعى " لقد أرخت الحركة القومية وحملت على الامتيازات والقضاء المختلط ولكنى لم أكن أتوقع أن أعيش حتى أرى يوم إلغائها، فإذا بى عضو فى الوزارة التى  تتحقق هذه الأمنية العزيزة فى عهدها".