فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

من قصص القرآن الكريم، ماذا كان يحدث للجن والطير والحيوان عند سماعهم ترتيل داود الزبور

مخطوط من مزامير داود،
مخطوط من مزامير داود، فيتو

 نستعرض في السطور التالية مشاهد من القصص التي وردت في كتاب الله العزيز، القرآن الكريم، علنَّا نستخلص منها العبر والدروس التي تفيدنا في الدنيا، بتغيير سلوكياتنا إلى الأفضل، فنستزيد من الأفعال الطيبة، والتصرفات الراقية، ونتعامل بالحسنى مع الآخرين، فنفوز ونسعد في الآخرة.

 

من هو داود، عليه السلام؟ وكيف كان يقرأ الزبور؟

سيدنا داود، عليه السلام، هو داود بن إيشا بن عويد بن باعز بن سلمون بن نحشون بن عويناذب بن إرم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام.

يروي المفسرون وكتاب التاريخ أن داود، عليه السلام، كان قصيرا، أزرق العينين، قليل الشعر، طاهر القلب نقيه. 
لما قتل جالوت، وكان قتله له عند قصر أم حكيم بقرب مرج الصفر. فأحبه بنو إسرائيل ومالوا إليه وإلى ملكه عليهم، فكان من أمر طالوت ما كان وصار الملك إلى داود، عليه السلام، وجمع الله له بين الملك والنبوة، بين خيري الدنيا والآخرة، وكان الملك يكون في سبط (فرع من الأحفاد)، والنبوة في سبط آخر، فاجتمع في داود هذا وهذا، كما قال تعالى: "وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين" (البقرة: 251). أي: لولا إقامة الملوك حكاما على الناس لأكل قوي الناس ضعيفهم. ولهذا جاء في بعض الآثار: السلطان ظل الله في أرضه.

هكذا قتل داود جالوت

وقال عثمان بن عفان: إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. ويحكي "تاريخ ابن جرير الطبري": أن جالوت لما بارز طالوت، فقال له: اخرج إلي أو أخرج إليك فندب طالوت الناس، فانتدب داود، فقتل جالوت. فمال الناس إلى داود، حتى لم يكن لطالوت ذكر وخلعوا طالوت وولوا عليهم داود. وقيل: إن ذلك عن أمر شمويل، لدرجة أن بعضهم قال: إنه ولاه قبل الوقعة.
ويضيف الطبري: والذي عليه الجمهور أنه إنما ولي الملك بعد قتل جالوت. والله أعلم.
ويقول تعالى: "ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير" (سبأ: 10، 11).
ويقول سبحانه: "وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون" (الأنبياء: 79، 80). أي: أعانه الله على عمل الدروع من الحديد; ليحصن المقاتلة من الأعداء، وأرشده إلى صنعتها وكيفيتها، فقال: "وقدر في السرد"، أي: لا تدق المسمار فيقلق، ولا تغلظه فيفصم. 
وكان الله قد ألان له الحديد حتى كان يفتله بيده، لا يحتاج إلى نار ولا مطرقة، فكان أول من عمل الدروع من زرد (حلقات معدنية متشابكة)، وكانت قبل ذلك تصنع من صفائح. وقيل: كان يعمل كل يوم درعا يبيعها بستة آلاف درهم. 
وفي الحديث الصحيح: أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن نبي الله داود كان يأكل من كسب يده.

واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أوابٌ

وقال تعالى: "واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب" (ص: 17 – 20). 
(الأيد: القوة في الطاعة. يعني: ذا قوة في العبادة والعمل الصالح). قيل: أُعطي قوة في العبادة وفقها في الإسلام. كان يقوم الليل ويصوم نصف الدهر.
وثبت في "الصحيحين" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود; كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى.
وقوله: "إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب"، كما قال: "يا جبال أوبي معه والطير"،  (أي: سبحي معه).

يسبحن بالعشي والإشراق

وقيل في تفسير هذه الآية: "إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق"، أي: عند آخر النهار وأوله; وذلك أنه كان الله تعالى قد وهبه من الصوت العظيم ما لم يعطه أحدا، بحيث إنه كان إذا ترنم بقراءة كتابه، يقف الطير في الهواء، يرجع بترجيعه ويسبح بتسبيحه، وكذلك الجبال تجيبه، وتسبح معه، كلما سبح بكرة وعشيا.
لقد أُعطي داود من حُسن الصوت ما لم يعط أحد قط; حتى إن كان الطير والوحش ليعكف حوله حتى يموت عطشا وجوعا، وحتى إن الأنهار لتقف. 
وقد كان لا يسمعه أحد إلا حجل كهيئة الرقص، وكان يقرأ الزبور بصوت لم تسمع الآذان بمثله، فيعكف الجن والإنس والطير والدواب على صوته حتى يهلك بعضها جوعا.

كما قيل: كان داود، عليه السلام، يأخذ المعزفة فيضرب بها، فيقرأ عليها، فترد عليه صوته; يريد بذلك أن يبكي ويبكي.

مزامير آل داود

وعن عائشة، قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، صوت أبي موسى الأشعري، وهو يقرأ، فقال: لقد أوتي أبو موسى من مزامير آل داود، وهذا على شرط الشيخين.
وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقد أعطي أبو موسى من مزامير داود، على شرط مسلم.

الغريب أنه كان مع هذا الصوت الرخيم، سريع القراءة لكتاب "الزبور"، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خُفِّف على داود القراءة، فكان يأمر بدابته فتسرج، فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته، وكان لا يأكل إلا من عمل يديه.

فكان يأمر بدوابه فتسرج، فيقرأ القرآن (الزبور) قبل أن تسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عمل يديه.

والمراد بالقرآن هنا الزبور الذي أنزله الله عليه وأوحاه إليه. 
والمقصود أنه يكاد يكون محفوظا; فإنه كان ملكا له أتباع، فكان يقرأ الزبور بمقدار ما تسرج الدواب، وهذا أمر سريع مع التدبر والترنم والتغني به على وجه التخشع.
وقد قال الله تعالى: "وآتينا داود زبورا"، والزبور كتاب مشهور، وقد أُنزل في شهر رمضان، وفيه من المواعظ والحكم ما هو مشهور معروف لمن نظر فيه.