فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى انتصار أكتوبر، قصة ملحمة الفداء للنقيب عوني عازر ورفاقه في وجه المدمرة إيلات

القوات البحرية المصرية
القوات البحرية المصرية

 في قلب البحر المتوسط، وتحديدًا قبالة سواحل بورسعيد، سُطّرت واحدة من أنصع صفحات البطولة والتضحية في تاريخ القوات البحرية المصرية، عندما واجه لنشان صغيران من لنشات الصواريخ المصرية مدمرة إسرائيلية ضخمة مدعومة بلنشات طوربيد معادية، في معركة غير متكافئة، لكن الروح القتالية والبسالة حولت المشهد إلى ملحمة خالدة. 

 في أعقاب نكسة يونيو 1967، أعلنت الأطراف وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار، إلا أن القوات الإسرائيلية، كعادتها في نقض العهود، استغلت هذه الهدنة ودفعت بالمدمرة "إيلات" في مهمة استفزازية قبالة شرق بورسعيد، في عرض سافر للقوة داخل المياه الإقليمية المصرية.

 

دورية بحرية تتحول إلى مواجهة نارية

 كانت دورية بحرية مصرية مكوّنة من لنشين صواريخ تجوب المنطقة لتأمين الميناء، بقيادة النقيب عوني عازر جرجس والملازم رجائي حتاتة في اللنش الأول، والنقيب ممدوح شمس والملازم أول صلاح غيث في اللنش الثاني، ما إن اكتشفوا وجود المدمرة "إيلات" حتى أبلغوا القيادة، وانطلقوا بكل ما فيهم من إصرار وعزيمة نحو الهدف، مدفوعين بروح الثأر لما حدث في حرب يونيو.

كمين بحري ومعركة غير متكافئة

وبينما كانت اللنشات المصرية تقترب من المدمرة، فوجئ الأبطال بظهور لنشات طوربيد إسرائيلية ترافق "إيلات" وتهاجم من الخلف. رغم صدور أوامر بتجنّب الاشتباك، إلا أن التراجع لم يعد خيارًا، واندلعت معركة بحرية طاحنة، خاضها أبطال البحرية المصرية بأسلحتهم الخفيفة أمام آلة عسكرية ضخمة ومتفوقة عددًا وعتادًا.

في لحظة حاسمة، أدرك النقيب عوني عازر أن لا مفر من الاشتباك، فاتخذ قرارًا من طراز نادر. أمر مساعده بنزع فتيل الأمان من قذائف الأعماق، ثم انقض بلنشه بسرعة وزاوية عمودية نحو الجانب الأيمن من المدمرة "إيلات"، محولًا اللنش إلى قذيفة بشرية موجهة نحو العدو. اقترب حتى مسافة 30 مترًا فقط، رغم زخات النيران العنيفة من العدو، قبل أن ينفجر اللنش في لحظة مجد، ويسقط النقيب عوني ورفاقه شهداء في البحر.

الهجوم المصري الجريء أسفر عن إصابة ثمانية من طاقم "إيلات"، وتدمير محرك الرادار الخاص بها، فضلًا عن إحداث تلفيات جسيمة في الجانب الأيمن للمدمرة، ما أجبرها على الانسحاب لاحقًا. أما طاقم اللنش المصري، فصعدت أرواحهم الطاهرة إلى السماء، حاملين راية "النصر أو الشهادة"، ومخلّدين أسماءهم في سجل الفداء الوطني.

استشهاد النقيب بحري عوني عازر والملازم رجائي حتاتة لم يكن نهاية القصة، بل بداية لملحمة من الانتصارات أعادت للبحرية المصرية هيبتها، ومهدت الطريق لأولى الضربات الحاسمة التي توجت لاحقًا بإغراق المدمرة "إيلات" كاملة في أكتوبر من نفس العام.