كيف واجهت مصر أزمات الاحتكار من السبعينيات إلى اليوم؟
منذ عقود طويلة، ارتبطت قضية السلع التموينية بقدرة الدولة على ضبط الأسواق وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، فمنذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي، اتخذت الحكومات المتعاقبة إجراءات صارمة للسيطرة على أسعار السلع الأساسية، عُرفت آنذاك بـ «التسعيرة الجبرية»، بهدف حماية محدودي الدخل وضمان عدالة التوزيع. ومع الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات وتوسع القطاع الخاص، واجهت الدولة تحديات جديدة دفعتها لتشديد التشريعات الخاصة بالتموين، حتى لا تتحول حرية السوق إلى ساحة للاحتكار والتلاعب.
كيف تضبط الدولة الأسعار
في أوقات الأزمات، مثل فترة الحروب أو موجات التضخم، كانت الدولة تتدخل بقرارات حاسمة تشمل تحديد الأسعار وتوزيع السلع عبر البطاقات التموينية، وهي آلية استمرت لعقود طويلة واعتُبرت خط الدفاع الأول في مواجهة ارتفاع الأسعار ونقص المعروض، ومع مرور الوقت وتزايد الضغوط السكانية والاقتصادية، تم تحديث التشريعات لمنح الحكومة أدوات أشمل وأكثر مرونة للتعامل مع السوق.
القانون الحالي يقر عقوبات مشددة على من يتلاعب بالسلع التموينية أو البترولية المدعومة وتنص مواده على الحبس من عام إلى خمسة أعوام، بالإضافة إلى غرامات مالية تتراوح بين مائة ألف جنيه ومليون جنيه، لكل من يخفي السلع أو يمتنع عن طرحها أو يشترط بيعها بسلع أخرى. كما يحظر على أصحاب المصانع والتجار وقف نشاطهم أو الامتناع عن الإنتاج إلا بترخيص رسمي من وزير التموين، ويُعتبر الطلب مقبولًا إذا لم يبت فيه خلال شهر.
سلطات وزير التموين للسيطرة على الأسعار
ولمواجهة الظروف الاستثنائية، يمنح القانون وزير التموين، بموافقة لجنة التموين العليا، سلطات واسعة تبدأ بفرض قيود على الإنتاج والتوزيع، وتشمل تقييد النقل بين المحافظات وتحديد الصفقات التجارية، وقد تصل إلى الاستيلاء على المصانع أو المحال أو وسائل النقل عند الضرورة. كما يتيح التدخل المباشر في تسعير السلع التي تديرها الوزارة بالتنسيق مع وزارتي التجارة والصناعة.
وتشدد النصوص على أن أي عقود تتعلق بالسلع الخاضعة لتلك التدابير تعتبر لاغية بحكم القانون إذا لم تنفذ قبل صدور القرارات، دون أن يحق لأي طرف المطالبة بتعويض.
وبهذا التطور التاريخي للتشريعات، يتضح أن الدولة تحرص على سد جميع الثغرات التي قد يستغلها المحتكرون أو المتربحون من أزمات السوق. فمن "التسعيرة الجبرية" في الماضي إلى العقوبات الرادعة اليوم، ظل الهدف ثابتًا: حماية المستهلك وضمان أن يظل قوت المواطن بعيدًا عن جشع بعض التجار وتقلبات الأزمات.