فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

من قصص القرآن الكريم، العبد الصالح يقرر فراق موسى

 العبد الصالح يفارق
العبد الصالح يفارق موسى، فيتو

نستعرض في السطور التالية مشاهد من القصص التي وردت في كتاب الله العزيز، القرآن الكريم، علنَّا نستخلص منها العبر والدروس التي تفيدنا في الدنيا، بتغيير سلوكياتنا إلى الأفضل، فنستزيد من الأفعال الطيبة، والتصرفات الراقية، ونتعامل بالحسنى مع الآخرين، فنفوز ونسعد في الآخرة.

صدمات متتالية من أفعال العبد الصالح

بعد ما أصابت الصدمة سيدنا موسى من اقتلاع العبد الصالح لوحا من السفينة، هبط موسى و"الخضر" من السفينة ومشيا على الساحل حتّى شاهد الخضر غلامًا يلعب مع رفاقه فأمسك برأسه واقتلعها فقتله، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "فَانْطَلَقَا، فَإِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ مع الغِلْمَانِ، فأخَذَ الخَضِرُ برَأْسِهِ مِن أعْلَاهُ فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بيَدِهِ، فسارع موسى -عليه السلام- بإنكار فعله إذ ليس له الحقّ في قتل النفس، قال -تعالى: "قالَ أَقَتَلتَ نَفسًا زَكِيَّةً بِغَيرِ نَفسٍ لَقَد جِئتَ شَيئًا نُكرًا".

لكن "الخضر" ذكّره بشرطه مرّة ثانية، واعتذر إليه موسى، عليه السلام، وأخبره بأنّه إن اعترض عليه بشيء مرة أخرى أن يتركه ولا يُصاحبه، قال تعالى: "قالَ أَلَم أَقُل لَكَ إِنَّكَ لَن تَستَطيعَ مَعِيَ صَبرًا * قالَ إِن سَأَلتُكَ عَن شَيءٍ بَعدَها فَلا تُصاحِبني قَد بَلَغتَ مِن لَدُنّي عُذرًا".

فَوَجَدا فيها جِدارًا يُريدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقامَهُ

واستأنفا المسير حتّى وصلا إلى قرية رفض أهلها ضيافتهما، فرأى الخضر فيها جدارًا مائلًا يوشك على السقوط؛ فعدّل ميله وأخبره موسى، عليه السلام، لو أنّه أخذ أجرًا على فعله لَتمكّنا من الحصول على الطعام الذي رفض أهل القرية تقديمه لهما، قال الله تعالى: "فَانطَلَقا حَتّى إِذا أَتَيا أَهلَ قَريَةٍ استَطعَما أَهلَها فَأَبَوا أَن يُضَيِّفوهُما فَوَجَدا فيها جِدارًا يُريدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَو شِئتَ لَاتَّخَذتَ عَلَيهِ أَجرًا".

وهنا، أخبره الخضر بأنّ لحظة فراقهما قد حانت وسيُوضّح الحكمة في جميع الأفعال التي أنكرها عليه، قال -تعالى-: "قالَ هـذا فِراقُ بَيني وَبَينِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأويلِ ما لَم تَستَطِع عَلَيهِ صَبرًا".

أمّا السفينة والضرر الذي ألحقه بها فما كان ذلك إلّا للتخلّص من ظلم ملكٍ كان يأخذ كل سفينة صالحة من أهلها عَنوة؛ فأراد أن يجعل فيها عيبًا ليغضّ طرف هذا الملك عنها، وإن حصل ذلك سارع أهل السفينة لِإصلاحها والانتفاع بها، قال تعالى: "َمَّا السَّفينَةُ فَكانَت لِمَساكينَ يَعمَلونَ فِي البَحرِ فَأَرَدتُ أَن أَعيبَها وَكانَ وَراءَهُم مَلِكٌ يَأخُذُ كُلَّ سَفينَةٍ غَصبًا".

لماذا قتل “الخضر” الغلام؟!

أما قتله للغلام فلأنّه كان جاحدًا بالله وكان أبواه مؤمنين فيُخشى أن يتّبعاه في دينه حبًّا به وحاجة إليه؛ فأراد الله، تعالى، أن يرزقهما بمَن هو خير منه دينًا وبرًّا، قال تعالى: "وَأَمَّا الغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤمِنَينِ فَخَشينا أَن يُرهِقَهُما طُغيانًا وَكُفرًا * فَأَرَدنا أَن يُبدِلَهُما رَبُّهُما خَيرًا مِنهُ زَكاةً وَأَقرَبَ رُحمًا"، وأمّا الجدار الذي عدّل ميله فكان تحته كنز لِيتيمَين يعيشان في المدينة، وهذا الكنز كان ذهبا.

فيما فسر ابن عبّاس، رضي الله عنه، الكنز بأنه كان عِلمًا، وقال أبو ذر: كان عِلمًا مكتوب على لوح من ذهب، وأراد الله، تعالى، أن يحفظه لهما حتى يبلغا وذلك بسبب الصلاح الذي كان عليه أبوهما، وفي ذلك دلالة على أنّ الله، تعالى، يتكفّل بحفظ ذريّة العبد الصالح.

واختتم الخضر حديثه مع موسى، عليه السلام، بأنّ كل ما فعله لم يكن إلّا بأمر الله، تعالى، قال عزّ وجلّ: "وَأَمَّا الجِدارُ فَكانَ لِغُلامَينِ يَتيمَينِ فِي المَدينَةِ وَكانَ تَحتَهُ كَنزٌ لَهُما وَكانَ أَبوهُما صالِحًا فَأَرادَ رَبُّكَ أَن يَبلُغا أَشُدَّهُما وَيَستَخرِجا كَنزَهُما رَحمَةً مِن رَبِّكَ وَما فَعَلتُهُ عَن أَمري ذلِكَ تَأويلُ ما لَم تَسطِع عَلَيهِ صَبرًا".

مكان لقاء موسى بالخضر

وقد اختلف العلماء في المكان الذي التقى فيه موسى -عليه السلام- بالخضر على ثلاثة أقوال، وهي كما يأتي: مجمع البحرين، وهو المكان الذي يلتقي فيه بحر فارس شرقًا وبحر الروم غربًا وهو قول قتادة وغيره، وذهب محمد القرظي إلى أنّ مجمع البحرين في بلاد المغرب عند طنجة.


وقيل إن مجمع البحرين يقع في إفريقية، أو هما نهرا الكرّ والرسّ الّذَين يصبّان في البحر.
وقيل أيضا: إن مجمع البحرين هما بحر الروم وهو البحر الأبيض، وبحر القلزم وهو البحر الأحمر، وتُدعى المنطقة التي يلتقيان فيها بالبحيرات المرّة وبحيرة التمساح، أو أنّ مجمع البحرين في البحر الأحمر في المكان الذي يلتقي فيه خليج العقبة مع خليج السويس لأنّ بني إسرائيل عندما غادروا مصر استقرّوا في هذه المنطقة التي شهدت تاريخهم.