فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

من قصص القرآن الكريم، رحلة موسى وأهله وتفاصيل ما حدث في وادي طوى

رحلة موسى وأهله وتفاصيل
رحلة موسى وأهله وتفاصيل ما حدث في وادي طوى، فيتو

نستعرض في السطور التالية مشاهد من القصص التي وردت في كتاب الله العزيز، القرآن الكريم، علنَّا نستخلص منها العبر والدروس التي تفيدنا في الدنيا، بتغيير سلوكياتنا إلى الأفضل، فنستزيد من الأفعال الطيبة، والتصرفات الراقية، ونتعامل بالحسنى مع الآخرين، فنفوز ونسعد في الآخرة.

رحلة موسى وأهله وما حدث في وادي طوى

يقول تعالى: “فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ”، أي: وأخبره خبره، وما كان من أمره; في خروجه من بلاد مصر فرارا من فرعونها، قال له ذلك الشيخ: "لا تخف نجوت من القوم الظالمين".

يا أبتِ استأجره

والمعنى المراد أنه لما أضافه وأكرم مثواه، وقص عليه ما كان من أمره، بشره بأنه قد نجا، فعند ذلك قالت إحدى البنتين لأبيها يا أبتِ استأجره، أي: لرعي غنمك، ثم مدحته بأنه قوي أمين. قال عمر، وابن عباس، وشريح القاضي، وأبو مالك، وقتادة، ومحمد بن إسحاق، وغير واحد: لما قالت ذلك قال لها أبوها: وما أعلمك بهذا؟! فقالت: إنه رفع صخرة لا يطيق رفعها إلا عشرة، وإنه لما جئت معه تقدمتُ أمامه، فقال: كوني من ورائي، فإذا اختلف الطريق فاحذفي لي بحصاة أعلم بها كيف الطريق. قال ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة; صاحب يوسف حين قال لامرأته: أكرمي مثواه، وصاحبة موسى حين قالت: ياأبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين، وأبو بكر حين استخلف عمر بن الخطاب.

فإن أتممت عشرا فمن عندك

“قَالَ إِنِّيٓ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَىَّ هَٰتَيْنِ عَلَىٰٓ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَٰنِيَ حِجَجٍۢ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ”.
قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا ٱلْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَٰنَ عَلَىَّ ۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌۭ" (القصص: 28). يعني: إن موسى قال لصهره: الأمر على ما قلت، فأيهما قضيت فلا عدوان علي، والله على مقالتنا سامع وشاهد، ووكيل علي وعليك. ومع هذا فلم يقض موسى إلا أكمل الأجلين وأتمهما، وهو العشر سنين كاملة تامة.

روى البخاري: عن سعيد بن جبير، قال: سألني يهودي من أهل الحيرة: أي الأجلين قضى موسى؟ فقلت: لا أدري، حتى أقدم على حبر العرب فأسأله. فقدمت، فسألت ابن عباس، فقال: قضى أكثرهما وأطيبهما، إن رسول الله إذا قال فعل. وقد رواه النسائي في حديث الفتون، كما سيأتي من طريق القاسم بن أبي أيوب، عن سعيد بن جبير به، وعن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سألتُ جبريل: أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أتمهما وأكملهما.

إني آنست نارا

"فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِۦٓ ءَانَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَارًۭا ۖ قَالَ لِأَهْلِهِ ٱمْكُثُوٓا۟ إِنِّىٓ ءَانَسْتُ نَارًۭا لَّعَلِّىٓ ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍۢ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ، فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِىَ مِن شَٰطِئِ ٱلْوَادِ ٱلْأَيْمَنِ فِى ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَـٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّىٓ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ، وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّۭ وَلَّىٰ مُدْبِرًۭا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ ٱلْـَٔامِنِينَ، ٱسْلُكْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوٓءٍۢ ۖ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ ۖ فَذَٰنِكَ بُرْهَـٰنَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيْهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا۟ قَوْمًۭا فَـٰسِقِينَ" (القصص: 29 – 32). 
"وسار بأهله"، أي: من عند صهره ذاهبا، فيما ذكره غير واحد من المفسرين وغيرهم، أنه اشتاق إلى أهله، فقصد زيارتهم ببلاد مصر، في صورة مختف، فلما سار بأهله، ومعه ولدان منهم، وغنم قد استفادها مدة مقامه. قالوا: واتفق ذلك في ليلة مظلمة باردة، وتاهوا في طريقهم، فلم يهتدوا إلى السلوك في الدرب المألوف، وجعل يوري زناده فلا يوري شيئا، واشتد الظلام والبرد، فبينما هو كذلك إذ أبصر عن بعد نارا تأجج في جانب الطور، وهو الجبل الغربي منه عن يمينه، "فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا"، وكأنه رآها دونهم; لأن هذه النار هي نور في الحقيقة، ولا تصلح رؤيتها لكل أحد، "لعلي آتيكم منها بخبر"، أي: لعلي أستعلم من عندها عن الطريق أو جذوة من النار لعلكم تصطلون، فدل على أنهم كانوا قد تاهوا عن الطريق في ليلة باردة ومظلمة; لقوله في الآية الأخرى: "وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى" (طه: 9، 10). فدل على وجود الظلام، وكونهم تاهوا عن الطريق.

وجمع الكل في سورة "النمل" في قوله تعالى: "إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِۦٓ إِنِّىٓ ءَانَسْتُ نَارًۭا سَـَٔاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ ءَاتِيكُم بِشِهَابٍۢ قَبَسٍۢ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ" (النمل: 7). 
وقد أتاهم منها بخبر، وأي خبر؟ ووجد عندها هدى، وأي هدى؟ واقتبس منها نورا، وأي نور؟، قال الله تعالى: “فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِىَ مِن شَٰطِئِ ٱلْوَادِ ٱلْأَيْمَنِ فِى ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَـٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّىٓ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ”.

فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها

وقال تعالى في "النمل": "فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين" (النمل: 8). أي: سبحان الله الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. 

"يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم" (النمل: 9). 

وقال في سورة "طه": "فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طُوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري. إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى. فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى" (طه: 11 – 16). 

ورأى بعض المفسرين، من السلف والخلف: لما قصد موسى إلى تلك النار التي رآها، فانتهى إليها، وجدها تأجج في شجرة خضراء من العوسج، وكل ما لتلك النار في اضطرام، وكل ما لخضرة تلك الشجرة في ازدياد، فوقف متعجبا، وكانت تلك الشجرة في لحف جبل غربي منه عن يمينه; كما قال تعالى: "وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين" (القصص: 44).