فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

ولد الهدى (الحلقة التاسعة)، رسول الله كان أشجع الناس

شجاعته صلى الله عليه
شجاعته صلى الله عليه وآله وسلم، فيتو

في شهر ربيع الأول، أشرقت الدنيا بنور النبوة، ووُلد خير من وطِئ الثرى، محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك الميلاد الذي لم يكن حدثًا عابرًا، بل كان بداية لفجر جديد أضاء ظلمات الجاهلية، وأعاد للإنسانية رشدها، وأرشدها إلى صراط الله المستقيم.

في هذه السلسلة المباركة، نتفيأ ظلال السيرة العطرة، ونستعرض بعضًا من مناقب الحبيب المصطفى، وصفاته الخُلُقية والخَلقية، وشمائله التي مدحها رب العالمين، وأثنى عليها السابقون واللاحقون من أهل الإيمان.

شجاعته صلى الله عليه وآله وسلم

كان سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، مضرب الأمثال في الشجاعة، والنجدة، ورباطة الجأش، فعن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: “لقد رأيتُنا يومَ بدرٍ ونحن نلوذُ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو أقرَبُنا إلى العَدُوِّ، وكان من أشَدِّ النَّاسِ يومَئذٍ بأسًا”.

فلم يكن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يوما هيابا ولا وجلا، مهما كانت صعوبة المواقف، سأل رجلٌ للبراءِ رَضِيَ اللهُ عنه: “يا أبا عُمارةَ، أفرَرْتُم يومَ حُنَينٍ؟! قال: لا واللهِ، ما ولَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولكِنَّه خرج شُبَّانُ أصحابِه وأخفَّاؤهم حُسَّرًا  ليس عليهم سلاحٌ أو كثيرُ سلاحٍ، فلَقُوا قومًا رُماةً لا يكادُ يَسقُطُ لهم سَهمٌ؛ جَمعَ هوازِنَ وبني نَصرٍ، فرشقوهم رشقًا ما يكادون يُخطِئون، فأقبَلوا هناك إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على بغلتِه البيضاءِ، وأبو سفيانَ بنُ الحارِثِ بنِ عبدِ المطَّلِبِ يقودُ به، فنزل فاستنصر، وقال: أنا النَّبيُّ لا كَذِب، أنا ابنُ عبدِ المطَّلِب، ثمَّ صَفَّهم”.

شجاعته يوم أحد

وفي رواية أخرى، عن أبي إسحاقَ قال: جاء رجلٌ إلى البراءِ، فقال: “أكنتُم ولَّيتم يومَ حُنَينٍ يا أبا عُمارةَ؟! فقال: أشهَدُ على نبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما ولَّى، ولكِنَّه انطلق أخِفَّاءُ من النَّاسِ، وحُسَّرٌ إلى هذا الحيِّ من هوازِنَ، وهم قومٌ رماةٌ، فرمَوهم برَشقٍ من نَبلٍ كأنَّها رِجْلٌ  من جرادٍ، فانكشفوا، فأقبل القومُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأبو سفيانَ بنُ الحارِثِ يقودُ به بغلتَه، فنزل ودعا واستنصر، وهو يقولُ: أنا النَّبيُّ لا كَذِب، أنا ابنُ عبدِ المطَّلِب، اللَّهُمَّ نَزِّل نَصْرَك، قال البراءُ: كنَّا واللهِ إذا احمرَّ البأسُ  نتَّقي به، وإنَّ الشُّجاعَ منَّا للَّذي يحاذي به، يعني النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم”.

ورُوِي عن العبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ، قال: “شَهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ حُنَينٍ، فلَزِمتُ أنا وأبو سفيانَ بنُ الحارِثِ بنِ عبدِ المطَّلِبِ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلم نفارِقْه، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على بغلةٍ له بيضاءَ أهداها له فروةُ بنُ نُفاثةَ الجُذاميُّ، فلمَّا التقى المسلمون والكُفَّارُ ولَّى المسلمون مُدبِرين، فطَفِق رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يركُضُ بغلتَه قِبَلَ الكُفَّارِ، قال عبَّاسٌ: وأنا آخِذٌ بلِجامِ بغلةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكُفُّها؛ إرادةَ أن لا تُسرِعَ، وأبو سفيانَ آخِذٌ بركابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيْ عبَّاسِ، نادِ أصحابَ السَّمُرةِ. فقال عبَّاسٌ -وكان رجلًا صَيِّتًا -: فقُلتُ بأعلى صوتي: أين أصحابُ السَّمُرةِ؟ قال: فواللهِ لكأنَّ عَطْفَتَهم حين سمعوا صوتي عَطفةُ البَقَرِ على أولادِها! فقالوا: يا لبَّيك يا لبَّيك! قال: فاقتتلوا والكُفَّارُ، والدَّعوةُ في الأنصارِ يقولون: يا معشَرَ الأنصارِ، يا معشَرَ الأنصارِ، قال: ثمَّ قَصُرت الدَّعوةُ على بني الحارِثِ بنِ الخزرجِ، فقالوا: يا بني الحارِثِ بنِ الخزرجِ، يا بني الحارثِ بنِ الخزرجِ، فنظر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو على بغلتِه كالمتطاوِلِ عليها إلى قتالِهم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا حينَ حَمِي الوطيسُ”.

في المدينة المنورة

 ودلالة على رباطة جأشه، صلى الله عليه وآله وسلم، شهدت المدينة المنورة واقعة مشهودة، رواها أنس رَضِي الله عنه، قال: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسَنَ النَّاسِ، وأجوَدَ النَّاسِ، وأشجَعَ النَّاسِ، ولقد فَزِع أهلُ المدينةِ ذاتَ ليلةٍ، فانطلق النَّاسُ قِبَلَ الصَّوتِ، فاستقبَلَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد سَبَق النَّاسَ إلى الصَّوتِ! وهو يقولُ: “لن تُراعُوا، لن تُراعُوا  ! وهو على فَرَسٍ لأبي طَلحةَ عُرْيٍ ما عليه سَرْجٌ! في عُنُقِه سَيفٌ، فقال: لقد وجَدْتُه بحرًا  ، أو إنَّه لبَحرٌ”.


وأوصى، صلى الله عليه وآله وسولم، أصحابه بالشجاعة في مواجهة الأعداء، فعن أبي هُرَيرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “ولولا أن أشُقَّ على أمَّتي ما قعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، ولوَدِدْتُ أنِّي أُقتَلُ في سبيلِ اللَّهِ ثمَّ أَحْيا، ثمَّ أُقتَلُ ثمَّ أَحْيا، ثمَّ أُقتَلُ”.