من الميادين إلى المباني الأثرية، مناطق محظورة أمام الإعلانات
نص قانون البناء الموحد على مجموعة من الضوابط التي تنظم وضع الإعلانات واللافتات، مع تحديد أماكن يُحظر استخدامها لأي أغراض دعائية، خاصة في المناطق الأثرية والمحميات الطبيعية والمباني ذات الطابع المعماري المميز، في خطوة تستهدف الحفاظ على المشهد الحضاري ومنع التشويه البصري في القرى والمدن.
معايير التنسيق الحضاري
وبحسب المادة 37 من القانون، يُمنع الترخيص بأي إعلان أو لافتة تخالف أسس ومعايير التنسيق الحضاري، سواء على المباني العامة أو الميادين أو وسائل النقل، أو حتى فوق الأسطح وواجهات المباني الأثرية. كما شمل الحظر المحيط العمراني للمناطق التراثية والحدائق ذات القيمة المتميزة، بما يضمن صون الهوية البصرية للمدن المصرية.
وشدد القانون على توقيع غرامات مالية صارمة بحق المخالفين لا تقل عن مثلي تكلفة الأعمال ولا تزيد على ثلاثة أمثالها، مع إلزامهم بإزالة الإعلان ورد الشيء إلى أصله وتحمل نفقات الإزالة.
وفي حال الامتناع عن التنفيذ، تُمنح الجهة الإدارية حق التدخل الفوري على نفقة المخالف، حفاظًا على سلامة المارة وحركة المرور، مع أحقية بيع اللافتة أو الإعلان المخالف إداريًا لتحصيل المستحقات.
وبذلك، يفتح القانون صفحة جديدة في تنظيم المجال الإعلاني داخل مصر، بين حماية التراث وتأكيد الصورة الجمالية للمدن، بما يعكس توجه الدولة نحو ضبط الفضاء العام وحماية الهوية البصرية للمجتمع.
ملامح وتاريخ المدن الكبرى
تاريخيًا، شكّلت الإعلانات الخارجية جزءًا من ملامح المدن الكبرى، لكنها في الوقت نفسه كانت سببًا في كثير من الفوضى البصرية والتلوث البصري، خاصة في المناطق التاريخية والميادين العامة. ومع توسع النشاط التجاري وتزايد التنافس بين الشركات، تحولت بعض الشوارع إلى ساحات مزدحمة باللافتات والملصقات غير المنضبطة.
في مصر، برزت أزمة الإعلانات بشكل ملحوظ خلال العقدين الماضيين مع اتساع سوق الإعلانات الطرقية، ما دفع الحكومات المتعاقبة إلى إصدار قرارات متفرقة لمحاولة ضبطها، إلا أن غياب إطار قانوني شامل كان يترك المجال مفتوحًا أمام عشوائية التنفيذ.
من هنا جاء قانون البناء الموحد كأول تشريع يتعامل مع الإعلانات باعتبارها جزءًا من "التنسيق الحضاري"، وليس مجرد وسيلة دعائية، حيث جمع بين حماية التراث والهوية البصرية، وبين تنظيم السوق الإعلاني الذي يمثل مصدر دخل معتبر للمحليات.
وتشير دراسات دولية إلى أن مدنًا كبرى مثل باريس وروما ولندن اتخذت خطوات مشابهة قبل سنوات، عبر سن قوانين تمنع أي إعلان يطغى على الطابع التاريخي أو يشوّه المشهد العام، وهو ما ساهم في تعزيز قيمة تلك المدن سياحيًا وحضاريًا، وهو الاتجاه الذي تسعى مصر لتبنيه الآن.