تصل إلى 4200 جنيه.. ارتفاع أسعار حلاوة المولد النبوي.. غلاء المواد الخام السبب.. والعلب الصغيرة طوق نجاة لمحدودي الدخل
يستعد المصريون لاستقبال ذكرى المولد النبوي الشريف يوم الخميس 4 سبتمبر 2025، في مشهد يتكرر منذ قرون، حيث تتزين المحلات بعلب الحلوى الملونة، وتنتشر رائحة السكر والمكسرات في الشوارع، هذه المناسبة الدينية التي تصادف الثاني عشر من شهر ربيع الأول الهجري، تحولت عبر التاريخ إلى طقس اجتماعي يمزج بين الروحانية والفرح الشعبي، وتبقى “حلاوة المولد” رمزها الأبرز والأكثر تجذرًا في الوجدان المصري.
جذور تاريخية ممتدة منذ العصر الفاطمي
تشير المصادر التاريخية إلى أن عادة توزيع الحلوى في المولد النبوي ترجع إلى العصر الفاطمي، عندما كانت الدولة تنظم احتفالات شعبية كبرى في ميادين القاهرة، تتضمن توزيع أنواع مختلفة من الحلويات على العامة. وقد تطورت هذه العادة عبر العصور، من كونها مجرد توزيعات خيرية إلى طقس اجتماعي راسخ يحتفظ بقدسيته رغم تغير الأزمان والظروف الاقتصادية.




في بداياتها، كانت حلوى المولد تعتمد على مكونات بسيطة كالسكر والحمص والسمسم، وتُشكل يدويًا في قوالب بدائية، لكن مع تقدم الصناعة وتطور أذواق المستهلكين، ظهرت تشكيلات معقدة تضم المكسرات الفاخرة مثل الفستق والكاجو وعين الجمل، إضافة إلى استخدام الشوكولاتة والفواكه المجففة، مع الاهتمام المتزايد بالتغليف الأنيق الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من تجربة الشراء.
طقوس اجتماعية تعزز الروابط الأسرية
المولد النبوي في مصر ليس مجرد مناسبة دينية، بل موسم اجتماعي بامتياز. تبدأ الأسر في التحضير للمناسبة قبل أسابيع، حيث تضع قوائم بأسماء الأقارب والأصدقاء والجيران الذين ستهديهم علب الحلوى. هذا التقليد يعكس قيمًا اجتماعية عميقة في المجتمع المصري، حيث يعتبر تبادل الهدايا في المولد وسيلة لتقوية الصلات الاجتماعية وإظهار الاحترام المتبادل.
كما ارتبطت المناسبة بذكريات الطفولة، حيث يحرص الآباء على اصطحاب أطفالهم لشراء "عرائس المولد" المصنوعة من السكر، والتي تأتي بأشكال وألوان متنوعة. هذا الطقس يساهم في ترسيخ حب المناسبة الدينية في نفوس الأجيال الجديدة، ويضمن استمرارية التراث الشعبي المرتبط بالمولد النبوي.
تنوع المنتجات يلبي جميع الميزانيات
مع اقتراب موعد المولد، تشهد المحلات المتخصصة نشاطًا مكثفًا في عرض تشكيلات واسعة من الحلوى. تتراوح هذه المنتجات بين العلب الصغيرة التي تناسب الأفراد أو الأسر محدودة الدخل، والصواني الكبيرة المخصصة للهدايا الفاخرة. وتتضمن المجموعات التقليدية أصنافًا كلاسيكية مثل الحمصية والفولية والسمسمية والملبن السادة، بينما تضم الفئات الفاخرة المكسرات المتنوعة والملبن المحشو بالفواكه والبسيمة الغنية بالبندق والفستق.




أسعار متفاوتة تعكس تأثير التضخم
تشهد أسعار حلاوة المولد لعام 2025 تباينًا واسعًا يعكس تأثير الظروف الاقتصادية الحالية وارتفاع أسعار المواد الخام. في الفئة الاقتصادية، يمكن للمستهلك الحصول على علبة صغيرة بأسعار تبدأ من 100 جنيه، وتضم عددًا محدودًا من القطع الأساسية. أما الفئة المتوسطة فتوفر علبًا تتراوح أسعارها بين 500 و1000 جنيه، وتضم مزيجًا متوازنًا من الأصناف التقليدية والمكسرات.
وتتجاوز الفئة الفاخرة حاجز 2000 جنيه، وقد تصل في بعض العلامات التجارية المرموقة إلى 4200 جنيه، وتستهدف هذه الفئة المستهلكين الباحثين عن هدايا مميزة أو المناسبات الرسمية. هذا التفاوت الكبير في الأسعار يمنح المستهلك مرونة في الاختيار وفق قدرته المالية، لكنه يعكس أيضًا حالة عدم الاستقرار الاقتصادي التي تؤثر على جميع السلع الاستهلاكية.



صمود العادة أمام التحديات الاقتصادية
رغم الضغوط الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة، يظل الإقبال على شراء حلاوة المولد قويًا، وإن اختلفت الكميات أو الفئات السعرية التي يختارها المستهلكون. بعض الأسر تكتفي بشراء علبة صغيرة "للتبرك" بالمناسبة، بينما تحافظ أسر أخرى على عادة شراء العلب الكبيرة لتوزيعها على الأقارب والمعارف.
ويشير خبراء علم الاجتماع إلى أن استمرار هذه العادة رغم التحديات الاقتصادية يعكس عمق ارتباط المصريين بتراثهم الشعبي، كونها ليست مجرد منتج غذائي، بل رمز ثقافي واجتماعي يحمل قيمة معنوية تفوق قيمته المادية.
تراث يتجدد مع الأجيال
ويبقى المولد النبوي الشريف مناسبة فريدة تجمع بين البعد الديني والاجتماعي في آن واحد. حلاوة المولد، بكل تنويعاتها وأسعارها المتفاوتة، تستمر في لعب دور المحرك الأساسي لهذا الاحتفال الشعبي. ومع تطور وسائل التسويق ودخول علامات تجارية جديدة إلى السوق، تزداد الخيارات أمام المستهلك، مما يضمن استمرارية هذا التقليد العريق وانتقاله للأجيال القادمة، محافظًا على جوهره الروحي والاجتماعي رغم كل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية المحيطة.