فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

وهم‭ ‬السلام‭ ‬وصراع‭ ‬الوجود

شب‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬على‭ ‬حقائق‭ ‬آمنا‭ ‬بها،‭ ‬ونادينا‭ ‬بها،‭ ‬توارثناها،‭ ‬وعقدنا‭ ‬العزم‭ ‬على‭ ‬المضي‭ ‬قُدمًا‭ ‬معها‭ ‬وبها، ‬لنحرر‭ ‬أرضًا‭ ‬منحها‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يستحق،‭ ‬وظللنا‭ ‬عمرًا‭ ‬طويلًا‭ ‬وهم‭ ‬يكيدون‭ ‬لنا‭ ‬كيدًا،‭ ‬فما‭ ‬كنا‭ ‬يومًا‭ ‬من‭ ‬الغافلين،‭ ‬وما‭ ‬كنا‭ ‬يومًا‭ ‬من‭ ‬المستسلمين‭ ‬على الرغم من‭ ‬جولات‭ ‬الهزائم‭ ‬والانكسارات‭.‬

كنا‭ ‬نؤمن بأن‭ ‬عدوًّا‭ ‬بيننا‭ ‬يعيث‭ ‬فى‭ ‬الأرض‭ ‬فسادًا،‭ ‬وأن‭ ‬دورنا‭ ‬مواجهته،‭ ‬فالدم‭ ‬بالدم،‭ ‬والقتل‭ ‬بالقتل،‭ ‬حتى‭ ‬خرج‭ ‬فينا‭ ‬من‭ ‬كادوا‭ ‬لنا‭ ‬كيدًا،‭ ‬فخلطوا‭ ‬بين‭ ‬السلام‭ ‬والاستسلام،‭ ‬فأصبحنا‭ ‬بما‭ ‬يملكون‭ ‬من‭ ‬أمرنا‭ ‬صاغرين،‭ ‬خانعين،‭ ‬واهمين‭ ‬بأن‭ ‬الذئب‭ ‬يمكنه‭ ‬العيش‭ ‬بسلام‭ ‬بين‭ ‬القطيع‭.‬

وبين‭ ‬ليلة‭ ‬وضحاها‭ ‬أصبحنا‭ ‬قطيعًا‭ ‬مستسلمًا‭ ‬لما‭ ‬يمليه‭ ‬علينا‭ ‬الغرب‭ ‬بخنوع‭ ‬من‭ ‬أدارونا،‭ ‬وأنهكونا‭ ‬بأوهام‭ ‬السلام،‭ ‬حتى‭ ‬جاء‭ ‬رجل‭ ‬منهم‭ ‬قتل‭ ‬فينا‭ ‬قتلًا‭ ‬ودمر‭ ‬فينا‭ ‬تدميرًا،‭ ‬فأعادنا‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬كنا،‭ ‬لنرى‭ ‬فى‭ ‬ولاة‭ ‬أمورنا‭ ‬آيات‭ ‬للسائلين،‭ ‬وقال‭ ‬قائل‭ ‬منهم‭ ‬”سلموا‭ ‬تسلموا” ‬فسلمنا‭ ‬واستسلمنا‭.

كنا‭ ‬ومنذ‭ ‬الصبا‭ ‬نردد‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬ليس‭ ‬صراع‭ ‬حدود.‭ ‬إن‭ ‬الصراع‭ ‬صراع‭ ‬وجود،‭ ‬وظلت‭ ‬تلك‭ ‬القاعدة‭ ‬من‭ ‬المعروف‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬بالضرورة،‭ ‬وقامت‭ ‬كل‭ ‬الكيانات‭ ‬السياسية‭ ‬فى‭ ‬معظم‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو،‭ ‬خضنا‭ ‬حروبًا‭ ‬وانكسرنا‭ ‬وانتصرنا،‭ ‬وظللنا‭ ‬على‭ ‬ذات‭ ‬العهد‭ ‬والوعد‭.‬

وجاء‭ ‬من‭ ‬القوم‭ ‬من‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬الحياة‭ ‬مع‭ ‬محتل‭ ‬قاتل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستقيم،‭ ‬ورددوا‭ ‬من‭ ‬آيات‭ ‬الذكر‭ ‬الحكيم‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬وجهة‭ ‬نظرهم،‭ ‬فإن‭ ‬جنحوا‭ ‬للسلم‭ ‬فاجنح‭ ‬لها،‭ ‬وأقنعونا‭ ‬أنهم‭ ‬‮ “جنحوا‭ ‬للسلم‮”‬،‭ ‬ومرت‭ ‬سنوات‭ ‬العمر‭ ‬وصاحب‭ ‬الأمر‭ ‬فينا‭ ‬يغير‭ ‬المناهج‭ ‬ويتلاعب‭ ‬بتربية‭ ‬النشء،‭ ‬حتى‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬أصلابنا‭ ‬أجيال‭ ‬تخلط‭ ‬بين‭ ‬السلام‭ ‬والاستسلام،‭ ‬وغيبتها‭ ‬الظنون‭.‬

وعلى الرغم من‭ ‬كل‭ ‬الاعتداءات‭ ‬والقتل‭ ‬والتدمير‭ ‬على‭ ‬فترات‭ ‬ومراحل،‭ ‬كان‭ ‬أولو‭ ‬الأمر‭ ‬يقنعون‭ ‬شعوبهم‭ ‬بأن‭ ‬الاستسلام‭ ‬سلام،‭ ‬ومضوا‭ ‬فى‭ ‬غيهم‭ ‬فاعلين،‭ ‬وعلى‭ ‬طريق‭ ‬تغيير‭ ‬البوصلة‭ ‬ماضين،‭ ‬وتربت‭ ‬أجيال‭ ‬متتالية‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬العيش‭ ‬مع‭ ‬قاتل‭ ‬ممكن،‭ ‬وأن‭ ‬أجيالهم‭ ‬الجديدة‭ ‬قد‭ ‬تتغير‭ ‬وقد‭ ‬تتعايش‭ ‬مع‭ ‬فكرة‭ ‬المحيط‭ ‬المسالم‭.‬

وجاء‭ ‬قاتل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬سلالة‭ ‬صهيونية‭ ‬عفنة‭ ‬ليعطل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قال‭ ‬به‭ ‬حكامنا،‭ ‬ومارس‭ ‬القتل‭ ‬طويلًا‭ ‬ضد‭ ‬أطفال‭ ‬ونساء‭ ‬وشيوخ،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬بيننا‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬السلام‭ ‬طريق‭ ‬لا‭ ‬نحيد‭ ‬عنه،‭ ‬وإن‭ ‬معركة‭ ‬أكتوبر‭ ‬آخر‭ ‬حروب‭ ‬العرب‭ ‬ضد‭ ‬الكيان‭ ‬المحتل،‭ ‬وظهر‭ ‬إلى‭ ‬الوجود‭ ‬فريق‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الحكام‭ ‬العرب‭.‬

هذا‭ ‬الفريق‭ ‬بدل‭ ‬في‭ ‬حقائق‭ ‬التاريخ‭ ‬وأحداثه،‭ ‬وطرح‭ ‬على‭ ‬العامة‭ ‬طرحًا‭ ‬يبتنى‭ ‬كل‭ ‬أسسه‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬التعايش،‭ ‬تنازل‭ ‬الجدد‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬موروثات‭ ‬الأمة،‭ ‬وعن‭ ‬كل‭ ‬نضالات‭ ‬الأمة،‭ ‬وعن‭ ‬كل‭ ‬تضحيات‭ ‬الأمة،‭ ‬تنفيذًا‭ ‬لما‭ ‬قالوا‭ ‬به،‭ ‬وما‭ ‬قالوا‭ ‬إيمانًا‭ ‬بل‭ ‬كانوا‭ ‬بكفرهم‭ ‬يفخرون‭.‬

كفرنا‭ ‬بالدم،‭ ‬وكفرنا‭ ‬بالتاريخ،‭ ‬وكفرنا‭ ‬بمن‭ ‬راحوا‭ ‬شهداء‭ ‬عند‭ ‬ربهم‭ ‬يرزقون،‭ ‬وكفرنا‭ ‬بكل‭ ‬الحقائق‭ ‬وكل‭ ‬الوقائع،‭ ‬ومضينا‭ ‬خلف‭ ‬من‭ ‬أضاعونا‭ ‬وأضاعوا‭ ‬كبرياءنا‭ ‬ووجودنا،‭ ‬ولأن‭ ‬الخير‭ ‬فينا‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬يبعثون‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬كل‭ ‬القوم‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬من‭ ‬الخضوع،‭ ‬فظهر‭ ‬بيننا‭ ‬من‭ ‬قال‭ ‬بحق‭ ‬المقاومة‭ ‬فى‭ ‬التصدي،‭ ‬وكان‭ ‬منا‭ ‬من‭ ‬نفخر‭ ‬بهم‭ ‬وبإيمانهم‭ ‬وبإرادتهم‭ ‬يقاتلون‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬عدوًا‭ ‬غاشمًا‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬إلا‭ ‬بالقوة‭ ‬سبيلًا‭ ‬وطريقًا‭.‬

وظهر‭ ‬منا‭ ‬ثلة‭ ‬من‭ ‬المجاهدين‭ ‬الأبرار،‭ ‬يقاتلون‭ ‬وحدهم‭ ‬ويهللون‭ ‬ويكبرون‭ ‬على الرغم من‭ ‬آلة‭ ‬القتل‭ ‬الممنهج‭ ‬للأطفال‭ ‬والشيوخ‭ ‬والنساء،‭ ‬يقاتل‭ ‬أبناؤنا‭ ‬جنودًا‭ ‬بينما‭ ‬يقتل‭ ‬أبناؤهم‭ ‬أطفالًا،‭ ‬يجاهر‭ ‬أبناؤنا‭ ‬بأعمالهم،‭ ‬بينما‭ ‬يخجل‭ ‬العالم‭ ‬الحر‭ ‬من‭ ‬قتال‭ ‬يصب‭ ‬كل‭ ‬نيرانه‭ ‬على‭ ‬النساء‭ ‬والعجائز‭.‬

ويكفينا‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬بيننا‭ ‬من‭ ‬ولاة‭ ‬أمورنا‭ ‬من‭ ‬قال‭ ‬بحق‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬بدعم‭ ‬المقاومة،‭ ‬وأن‭ ‬المقاومة‭ ‬حق،‭ ‬والنصر‭ ‬حق،‭ ‬ومواجهة‭ ‬الفئة‭ ‬الضالة‭ ‬حق،‭ ‬ولم‭ ‬تخشَ‭ ‬سلطنة‭ ‬عمان‭ ‬من‭ ‬جور‭ ‬جائر،‭ ‬ولم‭ ‬تهن،‭ ‬ولم‭ ‬تخضع‭ ‬إندونيسيا‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬مندوبها‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬القمة‭ ‬بحق‭ ‬المقاومة‭ ‬وحقنا‭ ‬في‭ ‬دعمهم‭.‬


آفتنا‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬شعوبنا،‭ ‬آفتنا‭ ‬فيمن‭ ‬يستمدون‭ ‬شرعيتهم‭ ‬من‭ ‬أعدائنا،‭ ‬ومن‭ ‬يناصرون‭ ‬عدوًّا‭ ‬غاشمًا‭ ‬ويمدونه‭ ‬بالعتاد‭ ‬والسلاح‭ ‬وبالصمت‭ ‬على‭ ‬جرائمه،‭ ‬وبالخوف‭ ‬منه‭ ‬ومن‭ ‬جهادنا،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬بعضنا‭ ‬يفاخر‭ ‬القوم‭ ‬بانتصار‭ ‬الفئة‭ ‬الباغية،‭ ‬ظنًّا‭ ‬منه‭ ‬أنه‭ ‬عن‭ ‬أهدافهم‭ ‬بعيد،‭ ‬يرددون‭ ‬نفس‭ ‬أناشيدهم.‭ ‬والله‭ ‬المستعان‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يصفون‭.‬