رئيس التحرير
عصام كامل

متى يصبح تعليمنا جاذبًا ومنتجًا ومبدعًا؟!

ما أحوجنا لإدارة حوار حقيقي ومستدام حول ما تحتاجه مصر حاليًا من منظومة تعليمية تمكنها من امتلاك ناصية العلم ومفاتيح المستقبل! فالمنظومة الحالية للتعليم لا تلبي الطموحات، وإلا ما تحدث الرئيس ومعه الحق عن تخريج جحافل في كليات نظرية سنويًا بلا هدف ولا فرصة عمل، وهى تخصصات لا نقول بإلغائها بل بترشيد أعداد المقبولين بها نظرًا لتشبع سوق العمل وإنتشار البطالة بين خريجيها.. وهو يمثل فاقدًا وإهدارًا للطاقات وتثبيطًا للهمم والعزائم!


نريد تعليمًا لا يمثل ضغطًا نفسيًا ولا ماديًا على الطلاب ولا أولياء أمورهم، نتمنى أن تتحرر المنظومة من بعبع الثانوية العامة التي لا تزال رغم جهود التطوير والتحديث رحلة معاناة واستنزاف مادي للأسر ونفسى للطلاب وأسرهم، وفي ظني أن تلك الثانوية العامة وما يجري بشأنها كل عام من تنسيق وكليات قمة لا يحدث إلا هنا في مصر، ولا تجد له مثيلًا في أي دولة على وجه البسيطة..

 

مليارات الجنيهات تنفقها الأسر المصرية وهي راغمة على دروس خصوصية ربما لا يسدد من يعطونها أي ضرائب للدولة، وتنتزع من المدرسة دورها ومن التعليم صفة المجانية التي عاشت وتربت عليها أجيال العظماء أمثال أحمد زويل وفاروق الباز وغيرهما من علماء مصر الأفذاذ!

تطوير التعليم 

فهل حقق تعليمنا بصورته التقليدية مقومات الجودة والتطور والقدرة على إنتاج المعرفة، وهل حقق رسالته التربوية في بناء العقول وتهذيب النفوس وتنمية القيم وبناء الأجسام والأبدان بالرياضة أم لا يزال رحلة عذاب تلهب ظهر كل أسرة مصرية، حتى يصل أبناؤها للثانوية العامة ويحصلوا على مجموع بات غاية في ذاته للالتحاق ب كليات قمة لا تتسع إلا لفئة قليلة.. 

 

أما البقية الباقية من السواد الأعظم للشعب فقد تبخرت أحلامهم ولم يجدوا إلا كليات نظرية لا يجد آلاف من خريجيها وظائف، وهو ما أشار إليه الرئيس في معرض كلامه عن كليات الآداب والحقوق والتجارة.. بينما أبناء القادرين والأغنياء يعرفون طريقهم للكليات الخاصة التي كثر عددها وقل نفعها وجودتها!


التطوير المطلوب في رأيي لابد أن يكون شاملًا لإشباع الاحتياجات الحقيقية للدولة ويوازن بين سوق العمل والتخصصات المطلوبة ويشيد قاعدة بحث علمي على أسس واقعية يشارك فيها القطاع الخاص الذي عليه أن يكون شريكًا للدولة  في صناعة خريج أو باحث كفء ليجني ثمرة إنتاجه العلمي. 


ولعل  ما نحتاجه الآن  بشدة هو تحرير العقول من الحفظ والاستظهار وتحريضها على التفكير والحوار والابتكار والتحليل والنقد والمبادرة وقبلها التخلص من كل أنظمة الامتحانات البالية مقبرة التعليم وسلة الفشل..

 

نحتاح الآن إلى وضع آليات حقيقية لقياس القدرات واكتشاف المواهب والتقاطها وتنميتها كما تفعل الدول المتقدمة.. وليس بالاعتماد فقط على امتحانات لساعتين أو ثلاث في كل مادة لقياس مستوى الطالب.. فهل هذا المقياس يكفى للحكم على المواهب والعقول الفذة؟!

 


متى تتوقف نظرية الكم في نظامنا التعليمي لتقدم المدارس والجامعات ما تحتاجه سوق العمل من كوادر تعطي قيمة اقتصادية مضافة، بدلا من جحافل الخريجين في كليات نظرية وعلمية تجافي روح العصر ومقتضيات الإبداع والتحول الرقمي والمنافسة الجادة، وتصر على السير عكس الاتجاه وتستنزف مقدرات الدولة وفرصها في التقدم.. متى يصبح تعليمنا جاذبًا ومنتجَا ومبدعًا؟!

الجريدة الرسمية