رئيس التحرير
عصام كامل

متى يفقد التدين صلاحيته؟! (1)

آفة مجتمعاتنا بعد النسيان هو السطحية والتفاهة وشخصنة الخلافات والتدين الشكلي.. وهذا الأخير سوس ينخر في العقول ويعطلها عن العمل والإبداع والتفكير الذي هو فريضة إسلامية كما وصفه مفكرنا العملاق عباس العقاد في كتبه الذي يحمل هذا العنوان.. 

كما أن التدين الشكلي غشاوة تطمس القلوب والبصيرة؛ ذلك أن التدين الشكلي تدين مغشوش، جامد يحمل في طياته عوامل موته؛ وهو في المحصلة تدين مغشوش، يفضي لانغلاق العقل والتعصب ويفضى إلى القطيعة مع التجديد والتفكير والتطور؛ وعلامة هذا التدين المغشوش ألا تترك العبادات الشعائرية أثرًا جوهريًا في العبادات المعاملاتية.. 

التدين الشكلي وجوهر الدين

وأتفق مع قول القائل: “إن كل تدين يجافى العلم ويخاصم الفكر ويرفض عقد صلح شريف مع الحياة.. هو تدين فقد كل صلاحيته للبقاء”.

التدين المغشوش ينصرف كليةً إلى التركيز على الشكل ويتشدد فيه، ويهمل الجوهر الحقيقي الذي جاءت به الأديان، لإصلاح النفوس والضمائر؛ فلا هو يبنى نهضة ولا هو يضمن تفوقًا وحيازة لأسباب القوة بل إنه يكون سببًا مباشرًا في التخلف نظرًا لهشاشة أصحابه وسطحيتهم وقابليتهم للاستقطاب والوقوع في شراك التعصب والتطرف وإلغاء العقل والعداء مع كل اجتهاد يحقق صالح المجتمعات ويستوعب التطور الذي هو سنة الحياة.

يخطئ كثيرون حين يهتمون بإقامة شعائر الدين فقط بمعزل عن جوهر الدين؛ فجوهر الدين هو حسن المعاملة وإتقان العمل ومراقبة الله في كل تصرف والإقبال على العلم وإعلاء شأن العقل والاجتهاد والإبداع بحسبانه محصلة عملية وترجمة مباشرة لقول الله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ" (من الآية 148 من سورة الأنفال).

فكيف يمكن لأمة أن تحصل أسباب القوة وهى غارقة في تدين شكلي، يجعل المظهر والشعائر بلا عائد ولا أثر إيجابي في الحياة، أي تدين غير منتج وغير مثمر، أي تدين عقيم لا يعمل العقل ولا يتدبر في آيات الكتاب ولا في آيات الكون!

والسؤال: لماذا لا يركز الدعاة وخطباء المساجد على هذه المعاني.. حتى لا تتحول عباداتنا الشعائرية إلى غاية في ذاتها دون أن يعقبها فعل يصدقها، الأصل أن تترجم العبادات الشعائرية التي هي مهمة بل فريضة لا يقبل التهاون فيها إلى معاملة تحقق الهدف الحقيقي من التدين، وهو حسن الخلق وحسن التوكل على الله وحسن المعاملة مع الناس وأداء كل واحد واجبه في الحياة! وللحديث بقية.

الجريدة الرسمية