رئيس التحرير
عصام كامل

كاد أن يحبسني

كيف كنت ثابتة هكذا أمامه؟! أأنت جريئة إلى هذا الحد؟! ألم تخش نفوذه الذي استمده وللأسف الشديد من قوة منصبه؟! أسئلة دارت في ذهني وأنا أغادر ذلك المبنى الصامت اعتراضا على ما آل إليه حال الأبنية الحكومية القابع في شارع القصر العيني، والذي على ما يبدو سيصبح شارعا للذكريات والآثار، بعد مقابلتي مع أحد السادة المسئولين.

 
كنت قد اخترته ضمن قائمة ضيوفي في برنامجي الرمضاني “أو ليصمت”.. وعندما هاتفته طلب إرسال الأسئلة ورفضت لأنني لا أرسل الأسئلة لضيوفي، وهذه مسألة مبدأ ربما كان ذلك أولى الصدمات.

 


ذهبت في الموعد تماما ودخلت من الباب الرئيس فرأيت عربة أشبه بعربات نقل الأثاث تحمل عصائر من إنتاج إحدى الشركات الوطنية.. لفت نظري المشهد وأكملت سيري على السجادة الحمراء وعلى جانبيها أعمدة مذهبه حتى وصلت إلى المصعد فوجدتني أنا وكراتين العصير نصعد معا،
دخلت مكتب السيد المسئول وعرفت مديره بنفسي، وانتظرت الدخول وهو ما حدث بعد انتظار دام عشرين دقيقة.


دخلت إلى السيد المسئول أخيرا وأخبرته بأن مدة التسجيل ستكون عشرين دقيقة على الأكثر فإذا به يسجل 56 دقيقة، ولكم أن تتخيلوا حجم معاناتي حتى أخرج بـ7 دقائق من مدة الحلقة، وأنا أحافظ على أمانتي ومصداقيتي واحترامي لنفسي ولضيفي.


بدأت الحوار وفي كل مرة ألقى عليه السؤال يقاطعني وعلى وجهه استغراب من جرأة هذه المذيعة وأسئلتها. انتهيت وإذا بالسيد المسئول يطلب مني إرسال الحلقه قبل أن تذاع.. رفضت بشدة ليست تعنتا ولكن لأن ذلك ليس من حق أي ضيف، ولا من حقي أو سلطتي كما أنني اعتبرت هذا الطلب تشكيكا في مهنيتي وهو أمر مرفوض تماما.


فوجئت به يقول: أنا مش هخليكي تذيعي الحلقة دي.. ووجدتني أقول له: الوحيد الذي يملك قرار إذاعة الحلقة من عدمه هو السيد رئيس الإذاعة، وأنه ليس له الحق إلا في المادة المسجلة فقط، وألفت نظر سيادتك إلى أنني لن أخسر مهنيتي ومصداقيتي واحترامي لنفسي من أجل أي ضيف حتى ولو كان مسئولا كبيرا.

 
طلبت منه استدعاء مستشاره الإعلامي كي أعطيه المادة المسجلة، وهو رجل شديد الاحترام، 
ووجدت السيد المسئول يقول له: الأستاذة متمشيش إلا لما تاخد منها المادة المسجلة، رددت وبشكل حاسم أنا مش محبوسة ولن أعطي المادة المسجلة إلا بقرار من السيد رئيس الإذاعة، وهنا تدخل المستشار الإعلامي وهدأ الأمر ودعاني بأدب شديد إلى مكتبه واعتذر عما حدث.. واستأذنني في المادة فأعطيتها له.

 


خرجت من المكان ولكن هذه المرة من السلالم الخلفية، بلا سجادة حمراء أو أعمدة مذهبه ودارت في ذهني الأسئلة السابقة، وإذا بصورتين ظهرتا أمام عيني، الأولي هي صورة والدي وهو يقول لي كوني قوية تهابك الحياة فهي لا تحترم الضعفاء، والثانية صورة هؤلاء المسئولين وهم يجلسون أمام الميكرفون في ستديوهات الإذاعة المصرية العريقة يساءلون ويسألون.

الجريدة الرسمية