رئيس التحرير
عصام كامل

التهجير وشرعية جيش مصر

ويسألونك عن التهجير القسرى، قل هو مؤامرة يحيكها الغرب من أجل زرعهم الشيطانى الذى زرعوه في أرضنا العربية حماية له، وقضاء على قضية العرب الأولى والأخيرة، فليس لديهم قضية أخرى عاشوا من أجلها وعليها وبها منذ النكبة الأولى في العام 1948م.


وللتاريخ، وحتى لا يسقط بعضنا في أوهام غض القاهرة طرفها عن مؤامرة التهجير، علينا أن نتذكر كيف كاد جيش مصر أن يصل إلى تل أبيب في حرب 1948م لولا الخيانات والمؤامرات التى حيكت وقتها من عالم أحاط بنا عندما كان قرارنا ليس بأيدينا، فكانت ثورة الضباط بعدها بأربع سنوات فقط من أجل تصحيح الأوضاع.


حملت ثورة يوليو قضية التحرر العربى وفي القلب منها تحرير فلسطين فكانت مؤامرة 1956م التى خرجت منها القاهرة بانتصار سياسى ابتنى عمود خيمة التحرر العربى وتحرير شعوب العالم من الاستعمار، وظلت القاهرة واحدة من أهم عواصم العالم الحر التى قادت مع عواصم في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية لواء الحرب ضد الاستعمار.


وظل جيش مصر رغم ما أحاط به يدفع الدم الغالى، ولم تكن نكسة يونيو إلا ترجمة حقيقية لحجم التآمر الدولى على مصر وجيشها الذى تكبد خسائر فادحة، دفعت مصر من قوت أبنائها ومن دمائهم ومن استقرارهم وتنميتهم كل ما حازته من إمكانات، وأعادت للجيش هيبته وقوته في حرب مجيدة سحقت به قوة الجيش الذى لا يقهر.


قهرناهم وقاتلناهم ودفعنا من دماء أبنائنا الكثير، ولم تمنعنا إمكانات مادية، ووقف الشعب المصرى بكل قوة وصمود من أجل معركة التحرير، وكانت معاهدة السلام التى اعتمدت العلم الفلسطينى في كل محاورها ومناقشاتها لتحريرها من عدو غاصب جاء إلى مائدة التفاوض بعد انتصار ساحق.


وجرى ما جرى دون أن تتوقف الدبلوماسية المصرية في معاركها من أجل فلسطين منذ توقيع المعاهدة وحتى اليوم، ولم تكن معارك الدبلوماسية المصرية أقل ضراوة من قتال جنودنا في الميدان، ولم تكن قوة المفاوض المصرى إلا ترجمة حقيقية لموقف أقوى من جيش قادر على الوفاء بعهده ووعده.

مؤامرة التهجير!

وعلى من يتصورون أن القاهرة يمكنها أن تغض الطرف عن فكرة التهجير أن يعلموا أن شرعية هذا الجيش العظيم تستمد قوتها وقدرتها من تلك الدماء الزكية التى سالت ومن شهداء لا تخلو قرية مصرية ولا نجع ولا حارة في مدينة من تدوين أسمائهم بأحرف من نور، إن هذه الدماء والأرواح التى راحت لا يمكن خيانتها ولا يمكن لعاقل أن يتصور أن يفقد الجيش شرعية وجوده وهو الدرع الواقى والوعاء الحامى، وهو درة مصر وجوهرتها.


أقول ذلك وهناك من ينفث نار الحقد والكراهية، ويردد كالببغاوات ما يحاول البعض تمريره للإساءة إلى موقف مصر وجيشها بالقول إن القاهرة يمكنها أن تترك قطار التهجير القسرى يمر مرور الكرام إلى أرض سيناء التى ارتوت بدماء آلاف الشهداء، وتصفية القضية الفلسطينية التى كنا لها ومازلنا حائط الصد لحمايتها من كل مكروه ومؤامرة.


إن الجيش الذى أسس عقيدته على حماية الأرض والعرض دون الاعتداء، وابتنى لنفسه قصرا في قلوب شعبه وظل طوال تاريخه مدافعا عن مقدرات الأمة ومكتسباتها لا يمكنه أن ينسى فجأة أن أجيالا من قادته دفعوا حياتهم ثمنا وهم على جبهات القتال دون خوف أو رهبة.. دفعوا حياتهم راضين بما قسم لهم الله.


إن تاريخنا العسكرى سجل من الشرف والأمانة، لم نخن ولم نهن ولم نستكن ولن نخضع، وحاربنا كل قوى الاستعمار في رمزهم وكيانهم وانتصرنا، وظل التطوير والتسليح وامتلاك أدوات القوة واحدا من شهود الواقع رغم السلام، فالسلام تلزمه قوة تحميه، ونحن نمتلك أدوات القوة لحماية مقدراتنا واستقلالنا وقضيتنا التى دفعنا ثمنها دماء غالية لا يمكن نسيانها أو خيانتها أبدا مهما كانت الظروف.


إن الشرعية التى يحوزها جيشنا هى التى جعلته صامدا أمام قوى الشر باعتباره جيش أمة قوية قادرة عفية، يعرف دوره وقيمته وقدره، ويدرك أبعاد المؤامرة التى تحاك في عواصم غربية وأخرى عربية للأسف الشديد، وتلك الشرعية هى المادة الخام لتماسكه وحيويته وقدرته.. باختصار شرعية جيشنا هى الوريد الذى يمده بأسباب الحياة والقوة والبقاء إلى الأبد.

الجريدة الرسمية