رئيس التحرير
عصام كامل

شكرا لكل الحمير العربية

صورة متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي أثارت في نفسي كثيرا من الحزن والكمد والضيق، الصورة ليست لأطفال غزة المدفونين تحت الأنقاض وليست لأسرى من الفلسطينيين العزل وهم عرايا ويعتدي عليهم جنود مدججون بالأسلحة، والصورة ليست لسيدة فلسطينية تستغيث دون مغيث.. كانت الصورة لحمار.


نعم كانت الصورة لحمار يجر عربة كارو محملة بعدد كبير من الهاربين من نيران العدو الصهيوني وكتب من وضعها عليها عبارة أقسى وأمر من كل تلك المآسي.. كتب الرجل تحت الصورة "سيكتب التاريخ أن هذا الحمار العربي الأصيل خدم أهل غزة أكثر من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي".. انتهى التعليق ولكن مرارته ستظل تاريخيا واحدة من شهود الواقع المر والمرير.. نعم خدم الحمار أهلنا في غزة كما لم نخدمهم جميعا.


في هويد الليل البارد تلفحني موجة باردة تنفذ من لحمي إلى عظامي وقبل أن ألجأ إلى غطاء سميك في مواجهة هذا الإحساس القاسي أترك جسدي نهبا لتلك الموجة العنيفة من الثلج المختفي في رداء هواء يمر من بين أصابعي كالرصاص وصور أهل غزة تتداعى وهم تحت خيام من صنع أيديهم، تحيط بها أمواج من أمطار لم تكن أقسى عليهم من برودة بعض القابعين على صدورنا في قصور الحكم العربية.


أترك نفسي وأنا أقوم ورعشة تسري في بدني وكأنها وحش كاسر ينهش جلدي يمضي بأظافره المدببة في أوصالي، يهتز بدني وأنا أقاوم اللجوء إلى ذلك الغطاء الناعم، السميك، المصنوع من مواد أكثر حرارة من دماء بعضنا في الوريد.. أقاوم، وأقاوم، وأقاوم حتى الاستسلام.


تبكي طفلتي بجواري لا لشيء إلا لأنها شعرت أن أمها بعيدة عنها وأنا أتذكر هؤلاء الأطفال الذين تباعدت بينهم وبين الأمان مسافات ومساحات من الرهبة والوحشة والقسوة فأسأل نفسي: هل ينام بعضنا وهم هناك على هذا النحو من البشاعة والقسوة والخوف؟!

 


وأعود إلى ذاكرة القراءة الأولى بأن جيوشا عربية كانت قاب قوسين أو أدنى من دخول تل أبيب لولا الخيانات التي تعرضت لها هذه الجيوش وكنا نتصور أن تلك الخيانات من فعل الماضي وأن زمنها كان زمن خنوع وخضوع حتى وصلنا إلى ما نحن عليه.. الكل خانوكِ يا غزة بنفس جينات الخيانة التي كنا نظنها صفحة مخزية في زمن العار.. ها نحن نعيش نفس الصفحة وعلى ذات الهيئة..هيئة العار.

الجريدة الرسمية