رئيس التحرير
عصام كامل

الحركة الطلابية المصرية.. تاريخ مشرق من النضال

احدى المظاهرات بالجامعات
احدى المظاهرات بالجامعات - ارشيفية

وصف المؤرخ الفرنسي والتر لاكير حركة الطلبة في مصر قائلا "لم يلعب الطلاب دورا في الحركة الوطنية مثل الدور الذي لعبه الطلاب في مصر".

ويؤكد ذلك أن الحركة الطلابية المصرية قد لعبت دورا كبيرا في الحركة الوطنية التي كانت تهدف إلى الاستقلال التام ومقاومة فساد الحكم الملكي.

ويرجع فضل تنظيم الطلبة كقوة فعالة في مجال العمل الوطني إلى الزعيم مصطفى كامل الذي اهتم بتنظيم صفوف طلبة المدارس العليا لدعم الحركة الوطنية بتأسيس (نادي المدارس العليا) عام 1905 بهدف تنمية الوعي السياسي للطلبة وتعبئتهم ضد الاحتلال البريطاني.

وبعد وفاته جاء بعده الزعيم محمد فريد ليرعى هذه النواة للحركة الطلابية ويطور دور الطلاب في الحركة الوطنية من خلال تنظيم الإضرابات وحركات الاحتجاج وتنظيم المظاهرات وتوزيع المنشورات أو العمل السري الموجه ضد الإنجليز والمتعاونين معهم.

وبعد الاحتلال البريطاني لمصر وقيام ثورة 1919 دفعت الرغبة في تحرير الوطن المثقفين الثوريين وفي مقدمتهم الطلبة إلى صفوف الحزب الوطني، لأنه كان يهاجم الاحتلال بقوة داعيا إلى الحكم الذاتي.

وعقب إعلان تأسيس الجامعة المصرية كجامعة حكومية عام 1925 وانضمام بعض المدارس العليا إليها جاء الطلاب وأساتذتهم يحملون معهم خبرات النضال الوطني وبصفة خاصة طلبة الحقوق الذين كانوا من أنشط العناصر الطلابية في العمل السياسي الوطني كما حمل شباب الجامعة معهم هموم الوطن، الذي كافح من أجل نيل حريته..

واستمر كفاح الطلبة من أجل الاستقلال، وفي يوم 9 فبراير 1946 أصدرت اللجنة التنفيذية العليا للطلبة ـ وكانت بمثابة الاتحاد العام للطلاب ـ قرارًا بدعوة الطلاب لعقد مؤتمرات عامة يوم 9 فبراير لمناقشة حالة البلاد في ظل الاحتلال وهاجمت مبدأ الدفاع المشترك مع بريطانيا الذي يحمل معنى الحماية الاستعمارية وطالبت بعدم الدخول في المفاوضات إلا على أساس الجلاء التام.


انعقد المؤتمر العام الأول في يوم 9 فبراير 1946 في جامعة فؤاد الأول ـ جامعة القاهرة حاليًا ـ بالجيزة، وشارك فيه كثيرون من طلبة المعاهد والمدارس.

بعد هذا خرجت من الجامعة أضخم مظاهرة عرفت منذ قيام الحرب العالمية الثانية فعبرت شارع الجامعة ثم ميدان الجيزة إلى كوبري عباس، وما إن توسطته حتى حاصرها البوليس من الجانبين وفتح الكوبري عليها وبدأ الاعتداء على الطلبة فسقط البعض في النيل وقتل وجرح أكثر من مائتي فرد، وفي ذات اليوم حدثت مظاهرة في المنصورة أصيب فيها 7 شبان و3 جنود واعتقل أربعة، كما اعتقل عدد من الشبان في أسوان، وفي اليوم التالي عمت المظاهرات القاهرة والأقاليم..

ولعل هذه الواقعة كانت أحد محركات الثورة الطلابية ضد القصر والتي رحبت بحركة الضباط الأحرار وثورة 23 يوليو عام 1952..

واستمر كفاح الطلاب ليشعل الجامعات عقب هزيمة يونيو ويحفز الجيش على رد الهزيمة، وكانت مظاهراتهم سببا في أن يعقد الرئيس جمال عبد الناصر في منتصف ليل 21 فبراير 1968 اجتماعا لمجلس الوزراء، ويصدر قرارا بإلغاء الأحكام الهزيلة التي صدرت ضد قيادات الجيش المتسببين في الهزيمة، وإحالة القضية إلى محكمة عسكرية عليا أخرى وتمت الاستجابة لمطالب الطلبة الخاصة بإعطاء مزيد من الاستقلال والفاعلية وحرية الحركة لاتحاداتهم والسماح للاتحادات بالعمل السياسي.. وصدر قرار رئيس الجمهورية رقم 1532 لسنة 1968 بشأن تنظيم الاتحادات الطلابية منفذا لهذه المطالب، وبدأت الجامعة تموج بالحركة وعاد الطلاب يعبرون عن آرائهم بحرية داخل الجامعة وارتفعت يد منظمة الشباب عن الجامعة.

ولعب جيل السبعينيات دورا مهما في الحراك السياسي في مصر بالحركات الطلابية والتيارات السياسية، وشهدت التسعينيات عودته وبقوة من خلال دوائر النخبة في القوى السياسية والأحزاب السياسية، وارتبط بظهور العديد من التحركات السياسية المعبرة عن دور كبير لهذا الجيل، وهو ما أكسب هذا الجيل قدرات ومهارات خاصة وبرزت أسماء كثيرة، كان أبرزها حمدين صباحي ممثلا للتيار القومي وعبد المنعم أبو الفتوح خلال الواقعة الشهيرة ومواجهتهم للسادات خلال خطابه الشهير..

وبرزت أسماء أخرى كثيرة على رأسها أحمد بهاء الدين شعبان وأمين إسكندر..

وكانت الجامعات بالنسبة للجماعات الإسلامية أهم مكان لتحقيق المكاسب السياسية على مدى تاريخها بهدف استغلال الطلاب لتحقيق المكاسب السياسية، كما أن مناخ الجامعات بالنسبة لهم يعتبر مثاليا، لأن الطلاب هم مجموعة من الشباب المثقف النشط سياسيا، وبالطبع هم متواجدون في مكان واحد، بما يسهل الوصول إليهم.

وكان عصر الرئيس الراحل أنور السادات هو أفضل العصور بالنسبة للجماعات الإسلامية، خاصة أنه أخرج أعضاءها من السجون وأشركهم في الحياة السياسية، للتغلب على الحركات اليسارية المعارضة له.

واستغل "الإخوان" مناخ الاضطهاد المزعوم الموجود خارج الجامعة من أجل تحقيق أهدافهم داخلها وتمكن الإسلاميون من استغلال نقطة الضعف في نشر أفكارهم بين الطلاب، والإسلاميون استغلوا حالة الاستضعاف أثناء حكم الرئيس الأسبق مبارك في التواجد المكثف ونشر الأفكار.

ولم تكن المرأة المصرية في معزل عن هذه الحركة، ولكنها كانت في طليعتها وبرزت عدة أسماء ساهمت بصورة فاعلة في تقوية فكر المقاومة داخل القطاع الطلابي في مصر.

وبرزت عدة أسماء منها سهام صبري، إحدى رموز النساء في الحركات الطلابية، والتي لعبت دورا مهما في الحركة في سبعينيات القرن الماضي لمواقفها الجريئة عندما نظمت جماعة "أنصار الثورة الفلسطينية" مؤتمر يناير 1972 لاستجلاء موقف السلطة من الحرب على إسرائيل، إثر خطاب السادات الذي برر فيه مرور عام الحسم.


أما "أروى صالح" فقد كانت على موعد مع الموت عندما ألقت بنفسها من الدور العاشر، وانتحار "أروى" مجرد تعبير عن حساب نفسي عسير وإحباط كبير لهذا الجيل الذي يطلق عليه جيل السبعينيات.

ولا تزال الجامعات المصرية تعانى اليوم حالة من اللاسيطرة، والاستقطاب السياسي، فلم يعد لاتحاد الطلاب أي سلطان حقيقى داخل الجامعة، خاصة أن الوقفات والاحتجاجات تكتفى بالمطالب السياسية وتتجاهل احتياجات الطلاب، ويدعم ذلك انقسام الطلاب ما بين أنصار الرئيس المعزول تحت اسم "طلاب ضد الانقلاب"، والقوى الثورية الرافضة دخول الفريق أول "عبدالفتاح السيسي" انتخابات الرئاسة.

ساحات الجامعات التي تشهد اليوم هذه الحالة من الانقسام بين أبناء الوطن الواحد هي نفسها التي توحدت من أجل طرد المستعمر ومن أجل استعادة كرامتنا بعد الهزيمة وخوض معارك التحرير في حرب أكتوبر...فمتي تعود من أجل مصر؟
الجريدة الرسمية