نجاة الصغيرة.. أما غريبة!
ليلى مراد عندما تقدم بها العمر رفضت الظهور في الحفلات الخاصة أو العامة حفاظًا على آخر صورة لها في أذهان جمهورها، وكذلك فعلت شادية وفنانون كبار رفضوا الظهور في العلن ولو من أجل تكريمهم!
عندما أراد الرئيس الفرنسي ماكرون تكريم صوت الجبل فيروز لم يستدعها إلى فرنسا بل ذهب إلى منزلها بنفسه في منطقة الرابية بلبنان وقلدها وسام الجوقة، وهو أعلى تكريم رسمي في فرنسا.
مع ذلك ظهرت المطربة الكبيرة نجاة الصغيرة -85 سنة- على خشبة المسرح بالرياض في حفل joy awards، وهى لا تستطيع الوقوف، بل كادت تسقط أكثر من مرة!
نجاة الصغيرة صاحبة الصوت الذهبي وواحدة من أجمل المواهب في تاريخ الأغنية المصرية والعربية، صاحبة البصمة الفارقة في تاريخ الفن بما قدمته من عشرات الروائع الغنائية والتمثيلية، رفقة الكبار في كل المجالات؛ الكتابة والتمثيل والغناء والتلحين، وقفت أمس مهتزة تمسح سجلَّها الكبير في مشهد لا يمكن أن يمثل لها -أو لأي فنان- لحظة فخر وسطًرا مشرفًا في السيرة الذاتية!
وما حدث بالأمس لا يمكن تصنيفه إلا في خانة إهانة كبيرة لفنانة مهمة، بل إهانة للفن المصري بأكمله، بل أظن -وبعض الظن ليس إثمًا!- أنها محاولة متعمَّدة لمواصلة إهالة التراب على الفن المصري وتقزيمه مقابل حفنة من الأموال!
وأيًا ما كان غرض القائمين على هذا الأمر، فقد أخطأوا خطأ كبيرًا بما فعلوا، خطأ لن يغفره التاريخ، ولم تكن نجاة موفقة في الرضوخ لتلك الصفقة، ولو كان الغرض حقًا تكريمها، فكان أولى بهم الذهاب إليها في منزلها، ومنحها الاحترام والتقدير الذي تستحق، وكنا جميعًا سنصفق للعبة الحلوة!
لكن ما حدث خيبة أمل كبيرة، للمنظمين ونجاة وجمهورها والفن المصري والعربي، وسُنة سيئة نرجو ألا تتكرر، وأن يأخذ منها كبارُ القيمة والقامة عِبرة تعلمهم كيف يحافظون على إرثهم الذي نحتوا في الصخر كي يقيموه على أعمدة الفن والكرامة والاعتزاز بالذات.
وستظل مصر، رغم كل ما تكابده، وما يناوشها وتتصدى له.. رغم كل محاولات الصغار النيلَ منها وسلبها ما تستحق بحكم التاريخ والجغرافيا والإرث الحضاري.. ستظل مصر عمود الخيمة العربية، ورمانة ميزان إفريقيا قاطبة، فقد جاءت مصر ثم جاء التاريخ، وسوف يمضي التاريخ وتبقى مصر.