رئيس التحرير
عصام كامل

كيف تفلت بجريمة قتل مديرك؟

لا أحب التعميم، ومع ذلك لبست العمة –بمزاجي – أكثر من مرة، من باب خلي المركب تمشي، وهو مبدأ فاسد نستخدمه في أشغالنا ويكافئه في الحياة الأسرية مبدأ أنا عايش معاها علشان العيال. فبعد نحو عشرين عاما من بداية مسيرتي المهنية، اكتشفت أن رغبتك في تجنب المشاكل، لن تجلب عليك سوى مزيد من المشاكل، فمن تعطيه صباعك سيطمع في ذراعك، وما تقدمه اليوم على سبيل التطوع في الغد يصبح فرضا.

 

وبالعودة إلى مسألة التعميم، أرى في ما يراه اليقظان أن معظم المديرين في عالمنا العربي مصابين بداء غريب، يجعلهم أشبه بمصاصي الدماء، الذين يعتاشون على امتصاص الطاقة الإيجابية لدى موظفيهم، ومنحهم طاقة سلبية بلا حدود.. والحجة أن الإدارة تعني الحزم والحسم والرسم.

 

وكما نقول جميعا، فلكل عمل قرفه، وليس هناك جنة على الأرض، فالشغل كله مشاكل، وإذا أردت أن تترك عملا لتلتحق بآخر لأنك تشعر بالضيق، فلا تأمل خير ففي أي مكان ستجد المشاكل نفسها والوجوه نفسها.. لكن بمسميات وأسماء أخرى.

 

وهذه الرؤية السوداوية تذكرني بمقول للكاتبة الشهير أجاثا كريستي: أن تهجُري رجلًا لأنه يكذب، هو بمثابة مغادرة وطنك لأنها تمطر. أين تذهبين؟ إنها تمطر في جميع الأوطان.

 

لهذا كله، عاهدت نفسي ألا أترك عملا بسبب ضيقي من مدير أو رئيس، ثم أوجدت متنفسا للضيق الذي يعتمل في صدري، وذلك بأن أقتل مديري.. ولأنني رجل مسالم، فقد قررت أن أقتل مديري افتراضيا.. في خيالي وأحلامي.. وصراحة ليس دافعي هنا الضمير والأخلاق والدين.. لكنه الخوف من السجن أو الإعدام.. فالطلقات غالية والهدف رخيص.

قاتل متسلسل

ومنذ طبقت هذه النظرية، صرت قاتلا متسلسلا مثل الذي تشاهدونه في الأفلام الأمريكاني.. فقتلت نحو سبعة مديرين مروا علي في آخر الأعوام، فمنحتهم ميتة تليق ونذالتهم..

 

أتذكر أولهم واسمه مراد،  كان رجلا لا يفهم شيئا ومع ذلك يملئه غرور يكفي لتعبئة عشرات من أسطوانات الغاز، لهذا أنهيت حياته بأن وضعت في فمه خرطوما متصلا بأنبوبة أكسجين، وبعد أن سددت أنفه فتحت المحبس، فامتلأ وانتفخ حتى انفجر وطار في الهواء كما البالونة الكبيرة التي كنت أشتريها في الأعياد حين كنت طفلا وأضع فيها حفنة من الأرز ثم أرجها بقوة لتصدر صوتا مريحا للأعصاب.

 

أما المدير الثاني، فكانت سيدة، وهبها الله قدرا من الجمال، لكنها كانت كتمثال من شمع، لا مشاعر ولا إحساس، أما عيبها المهني فتمثل في رغبتها فرض سيطرتها على كل الذكور في حياتها سواء موظفون أو عمال وفلاحون وفئات. وهذه وضعتها تحت شمس أغسطس وسلطت عليها آشعة ذلك النجم المحترق حتى ذابت مثل الشمعة في سبوع مولود احتار أبوه في تسميته، فأطلقا عليه اسم الشحات خوفا من الحسد.

 

أما الثالث، فهو رجل أنيق، يرتدي أفخر الثياب لكن عقله بلبوصا من الأفكار والتفكير.. وكانت خطيئته أنه يتحدث في ما لا يفهم فيه، ولا يكف عن الصياح حتى تقسم له أنك اقتنعت بما يقول وتعترف –كده وكده– أنك كنت مخطئا حتى يتركك وشأنك.

 

وكانت ميتة هذا الرجل مختلفة، إذ قيدته إلى مقعد مدبب، ووضعت في أذنيه هيدفون ضخم بصوت مرتفع، ليستمع غصبا عنه إلى مجموعة من الكتب الصوتية، تتنوع بين الفكر والأدب والسياسة، فلم يتحمل الإصغاء إلى الرأي الآخر، فانتحر بأن أكل نفسه بنفسه.. والعجيب أن الطبيب الشرعي حين شرح ما تبقى من جثته قال إن سبب الوفاة هو التسمم، وربما يكون ذلك لكونه قد ابتلع أفكاره الفاسدة.

 

 

أما الرابع.. لكن عذرا لا وقت لذكر المزيد، فأن تعترف بقتل ثلاثة من مديريك لهو أمر كاف لأن يصل بك إلى طبلية عشماوي، ليلف حول عنقك الجميل حبلا لينهي مأساتك مع مديرين لا يعرفون من الأدارة سوى تكدير مرؤوسيهم وقتل كل أمل فيهم.

الجريدة الرسمية