رئيس التحرير
عصام كامل

ليلة الثور الأزرق

في ليلة ماطرة، تعطلت سيارتي في منطقة مهجورة.. فقط بيت يبدو كئيبا يقف وحيدا بين سيقان عملاقة من أشجار البلوط.. طرقت الباب، وبعد نحو دقيقة فتحت لي عجوز بعين واحدة، وقبل أن أصرخ، جذبتني إلى الداخل بقوة ثور هائج، وقالت: اهدأ قليلا فلن تجد شبحا أطيب مني في هذا المكان.. من أتى بك إلى الجحيم!

 

ابتلعت ريقي بصعوبة، وأخبرتها بصوت متقطع أن سيارتي تعطلت، فضحكت بصوت اهتزت له الجدران، وصاحت: نعم.. كلكم تقولون ذلك.. لقد تعطلت سيارتي.. وحين أنظر لا أرى إلا ذلك الثور القادم من قاع الجحيم.

 

نظرت خلفي عبر الباب فلم أجد السيارة، ورأيت ثورا أزرق في حجم بناية يقف مكانها، ويرمقني بنظرات مخيفة، فسارعت أغلق الباب، وحينها قالت العجوز: ألم أقل لك إنك لن تجد شبحا أطيب مني في هذا الجحيم؟

قلت بصوت مرتعش: الجحيم؟ إذا نحن أموات.

 

لم ترد علي، ومضت إلى الداخل، ثم عادت سريعا وهي تحمل طفلا بأنياب بارزة والدماء تقطر من فمه، ثم طلبت مني أن أطعمه بعضا من لحمي، فلما شاهدت الاستنكار والدهشة على وجهي، قالت: إن لم تفعل سيأكلك بعظامك.

 

ضحكت ساخرا، وحين أشحت بيدي كي أبعد الطفل عني، التهم الصغير يدي ونصف ذراعي، فأعادت العجوز كلامها بلهجة آمرة: أطعم الطفل بعضا من لحمك.. أخذت سكينا من على الطاولة، وقطعت قطعة من لحم فخذي منحتها للطفل، الذي التهمها في ثوان، ثم سرعان ما غفا بين يدي.

 

جاءت العجوز وفي يدها ضمادة وضعتها على فخذي لتوقف النزيف، ثم راحت تلتهم الطفل، قبل أن تمد لي يدها بقطعة منه، وهي تقول: كل هذه فطريق العودة طويل.

حكاية الثور الأزرق

في طريق العودة، امتطيت الثور الأزرق، وطوال الطريق لم يكن بمقدوري إلا أن أطعمه بعضا من لحم فخذي، وبدوري ألتهم قطعة من لحم رقبته، وحين وصلت إلى داري كنت قد فقدت إحدى ساقي، فيما سقطت رأس الثور الذي التهمت أنا لحم رقبته.

قرب بيتي كان الصبية يقفون والضجر ينبت في عيونهم كأوراق شجر الموز، وحين ألقيت إليهم برأس الثور راحوا يركلونه بأرجلهم، حتى إذا استقر في حجر رجل عجيب يجلس على الناصية، صاحوا: جوووووول.

 

قبل أن أدخل داري، رأيت بقايا الثور تذوب كالشمع، وحين تلاشى تماما نبت مكانه طفل صغير أظنه ذلك الوحش الذي التهمته العجوز في أول الحكاية، فأسرعت أحمله بين يدي فابتسم، وحين دققت النظر في عينيه وجدتهما عيناي.. حتى أنفه يشبه أنفي، وخديه وجبهته.. ملامحه تشبهني بل هي أنا، في لحظات بدأ الصغير ينمو ويكبر، حتى صار في هيئة العجوز التي تركتها في المنزل المهجور.

 

 

سنوات مرت على تلك الليلة، ومذاك وأنا أفتش في تاريخي عن شهادة ميلاي الأصلية، فلا أحد ممن يسكن في الجوار يعرفني.. قسم يقول إنني الطفل، وقسم ثان يقول إنني العجوز، وقسم ثالث يقول إنني الثور الأزرق، وقسم رابع يقول إنني لم أولد بعد، وكل ما رأيته ليس سوى جزء من حلم يراود جنينا في ليلة منتصف المخاض.. والحلم حين يداهم الأجنة في أرحام الأمهات إنما هو عقاب يبحث عن مذنب اقترف جرما لكنه نجح في الهروب من قدره.

الجريدة الرسمية