رئيس التحرير
عصام كامل

القول الفصل في فنون النشل

على مقهى شهود الزور، يجلس سفروت الدغف وعجب المشموش، وكلاهما نشال في منتصف الثلاثينات من العمر، الأول طويل ونحيف، والثاني ممتلئ وقصير القامة، وبعد عشرة طاولة وثلاثة أدوار من الشاي في الخمسينة والحلبة الحصى بلبن والقهوة الزيادة، قررا أن يتراهنا على من يثبت جدارته بلقب أشطر نشال في المنطقة.

 

اتفق الدغف والمشموش على أن يصعدا أول أتوبيس يمر من الناحية، ومن يخرج بأتخن محفظة (أي الأكثر امتلاء بالفلوس) يكون هو الفائز.. وقد كان.. توقف أتوبيس 77 بشرطة، المتجه من العتبة لزينين، فصعد الرجلان، غمز الدغف لصديقه بأنه البادئ، فأومأ الآخر موافقا، وراح يراقب.

 

اقترب الدغف من رجل بجلباب بلدي يبدو عليه الستر والصحة، فأعطاه كتفا قانونيا من تلك الأكتاف التي لا يعتبرها حكام الدوري الإنجليزي فاول، وبينما بلدياتنا يحاول الحفاظ على توازنه كي لا يسقط، استغل النشال الأول الفرصة والتقط من سيالة جلباب أخينا حافظة نقوده، ووضعها بخفة يد في جيب بنطلونه الجينز، قبل أن يشير إلى صديقه بأنه قد أتم مهمته.

 

ابتسم المشموش ابتسامة صفراء، كتلك التي تستخدمها البنات اللائي لا يطقن بعضهن البعض في الأفراح حين تتقابل وجوههن.. غير أنه لم يحرك ساكنا، وهو ما جعل الدهشة تنهش في صدر صديقه النشال الآخر، والذي راح يسأل نفسه لماذا لم يقترب المشموش من أي زبون ليستولي على حافظة نقوده؟!

ذكاء اللصوص

قبل أن يتوقف الأتوبيس في المحطة التالية، وقف المشموش في وسط الحافلة، وصرخ بعلو حسه: غيتوني يا خلق هو.. المحفظة اتسرقت.. توقف السائق، وصاح الكمسري: اقفل الباب يا أسطى عطية واطلع على القسم.. صاح المشموش: لا قسم إيه، إحنا كلنا نتفتش واللي يطلع نشال يتسلخ وشه وقتي.

 

بنظرة حادة، طل الدغف نحو صديقه وهو لا يفهم ما يدور، فكيف له أن يفعل ذلك وهو يعرف أن تفتيشهما يعني أن ينفضح أمرهما! من بعيد صرخ أحد الركاب وقال: أنا كمان محفظتي اتسرقت يا ولاد الكلب، نهار أبوكم مش فايت.

 

تولى السائق والكمسري تفتيش الركاب، فأخرجا من جيب الدغف محفظة الراكب في الجلباب البلدي، فحمد الله ثلاثا ثم سفخ الدغف قلم مخبرين -زيووووووو- جعل أذنه تطن كما غطا الحلة وطلب تسليمه لقسم الشرطة، لكن المشموش استسمحهم في تأجيل الأمر حتى يجد محفظته هو الآخر، التي ادعى أنها قد سرقت منه.

 

وبالتفتيش، أخرجت من جيب أحد الركاب محفظة عامرة بالمال ومعها بطاقة شخصية تحمل اسم المشموش، فأقسم الرجل الغلبان أن المحفظة محفظته وأن المال ماله.. لكنه لا يعرف شيئا عن تلك البطاقة، فأخذ ما فيه النصيب من الكفوف والشلاليط ولم تشفع له كل الأيمانات التي حلف بها كي يصدقوا أنه صاحب المحفظة وأنه ليس لصا.

 

وهنا تقدم المشموش نحو الرجل، وقال: ربنا حليم ستار.. ثم همس في أذن الرجل: اديني المحفظة وساعة إيدك والخاتم الدهب اللي في صباعك وهخليهم يسيبوك.. صاح الرجل: يا عم اتقي الله دي محفظتي. فقال المشموش: أوكي، نروح القسم. فمال الرجل على يد المشموش وقبلها قائلا: لا يا حاج حقك عليا، آدي المحفظة والساعة والخاتم وعوضي على الله.

 

أخذ المشموش محفظة الرجل وساعته وخاتمه، ثم اقترب من الدغف وسفخه القلم المحترم، وقال للرجل أبو جلباب: خلاص يا عمدة أنا سامحت الحرامي اللي نشلني، وأنت كمان سامح النشال ده، وربك حليم ستار.. مصمص العمدة شفتيه، ومنح الدغف  كفا وركله بقدمه، وقال: خلاص علشان الراجل السكرة ده أنا مسامح.

 

 

غادر الأوتوبيس، بعدما نزل منه الدغف والمشموش، والذي سأل صاحبه: أنت عملت إيه يا بن الحرام؟! تبسم المشموش ابتسامة أصفر من كوز الذرة الصيفي، وحكي لصديقه كيف نشل حافظة الرجل واستبدل بطاقته الشخصية ببطاقة صاحب المحفظة ثم أعادها إلى جيبه دون أن يشعر.. وهنا وقف الدغف احتراما لذكاء صديقه المشموش، وأقسم له يمين الولاء وبايعه ملكا على عرش النشل في عموم البلاد.

الجريدة الرسمية