رئيس التحرير
عصام كامل

الرصاصة لا تزال في صدري

في عيد ميلادي أهدتني حبيبتي رصاصة نحاسية، رشقتها في صدري، ووعدتها ألا انتزعها رغم الألم، لكنها حين رحلت ثم غابت لسنين، قررت أن أخرج الرصاصة لعلي أجد رسالة منها على جدارها، ومن عجب أنني بالفعل وجدتها قد حفرت عليها هذه الكلمات: «كنت أعلم أنك ستخون العهد وتنتزع الرصاصة.» في هذه الأثناء كان صدري ينزف ذكرياته، حتى أنها كانت تسيل على الأرض فتتجسد أمامي مشاهد حية تحدث للتو..

 

في واحد من هذه المشاهد رأيتني أنا وحبيبتي نجلس على أريكة من خشب أحمر تتوسط حديقة ذات أشجار مورقة، حيث كنا نتعاهد على البقاء للأبد، وقد دونا معاهدتنا هذه بقلب يخترقه سهم وعلى كل طرف من طرفيه حروف اسمينا.. وفي مشهد ثان، رأيتنا نبني قصرا من رمال على شاطئ ممتد أمواجه عالية تناور كأفعى تتلوى كي تطال القصر وتعيده حبات من الرمل المشتت..

 

أما المشهد الثالث، فرأيتنا فيه نضع قطعا من النقود داخل علبة معدنية تتوسطها فتحة صغيرة، قبل أن تهم شريكتي بتدوين بعض الأرقام في دفتر صغير، ثم تصيح: «ها قد اقتربنا..» بينما رأيت في المشهد الرابع بطن حبيبتي ينتفخ كبالون في يد طفلة تحتفل بالعيد.. ولم يكن بطنها كباقي البطون، إذ رأيت جلده يتحول إلى شاشة ملونة تعرض فيلما لفتيات صغيرات يركلن الكرة في مرح.. وفي المشهد الأخير، رأيت في ما يرى اليقظان حقيبة سفر صغيرة، لكن على ضيق مساحتها كان لها أن تبتلع بيتا وعائلة وحلما بطول العمر..

 

 

انتهيت من رؤية المشاهد، ورحت أعيد الرصاصة إلى موضعها في عمق صدري، لكنها لم تستقر كما كانت، حيث غاصت نحو أبعد نقطة في دمي وذابت مثل حمم من نيران متوهجة لفظها بركان ثائر، وتمددت في عروقي وشرايني فحولتني تمثالا من النحاس.. تمثال ليس له إلا أن ينظر في اتجاه واحد، منتظرا لمسة من عصا سحرية تمده بطاقة نورانية قادرة على إحيائه من جديد.

الجريدة الرسمية