رئيس التحرير
عصام كامل

الـ Body Language على الطريقة المصرية

كما تعرف أنت وأنا والناس الحلوة، لكل علم خبراء يعرفون كل صغيرة وكبيرة فيه، وإذا كان كلامنا عن لغة الجسد (Body Language)، فإن المصري هو أخبر خبير وأعلم عليم في هذا الصدد.. لفت انتباهي لموضوع  الـBody Language – ولو دون قصد - الأخ سائق تاكسي قادتني الصدفة المنيلة للاستعانة بخدماته ذات صباح مشرق، تحول فيما بعد لصباح مشبوه، وإليك التفاصيل عزيزي المشاهد.


في الطريق أشرت للتاكسي فتوقف، فحشرت رأسي داخل السيارة بيما باقي جسدي على الأرض: «الدقي يا أسطى؟»، رد الرجل بعدما تنحنح وتنخم وسعل وبصق: «يا فتاح يا عليم ع الصبح»، ثم أشاح بوجهه وأردف وهو يشير بيده: «اركب اركب.. مفيش وقت للتفسير».


انطلق الرجل وعلى غير عادة السائقين لم يكن في سيارته أي من وسائل الترفيه السمعي والمرئي، فلا راديو ولا جهاز لتشغيل الأقراص المدمجة (سيديهاتك معايا)، وهو ما دفعني للانبساط اللا إرادي، ففي مثل هذه الصباحات يستحسن ألا تعبئ أذنيك بأغاني المهرجانات، التي يومًا ستصبح تراثًا ويشار لأوكا وأورتيجا وشحتة كاريكا على أنهم الرعيل الأول، فيما يأتي حمو بيكا وشاكوش كنجوم للزمن الجميل.


المهم، حتى لا أطيل عليكم، لم يدم الحلم طويلًا، إذ أدار الرجل أسطوانة أخرى لا تقل ضجيجًا عن أسطوانات أغاني المهرجانات، فقال كمعظم سائقي التاكسي في السنوات الأخيرة: «أنا أصلًا مش سواق تاكسي يا أستاذ، بس تعمل إيه في حكم الزمن، يا عيني على الحلو لما تبهدله الأيام. تحب تعرف كنت شغال إيه قبل التاكسي ده؟».

أشكال لغة الجسد


«لا والله محبش يا برنس»، هكذا جاء ردي جافًا كضربة استباقية لتفادي مزيد من الصداع والثرثرة، غير أن الرجل لم يعبأ بردي وراح يحكي عن عمله في السياحة التي «انضربت» ولم تعد «توكل عيش»، ما اضطره لأن يتنازل ويعمل سائقًا لهذا التاكسي!


الشهادة لله أن مخاوفي من ثرثرة سائق التاكسي كانت مجرد هواجس في مقابل ما حدث، فالكلام على كل حال لن يضر، فقط بعض الصداع وعلى الأكثر بعض الاكتئاب المؤقت، لكن ما حدث أن الرجل لم يكتف بحديث اللسان والشفاه، وراح يستعرض مهاراته في تقنيات الـ «Body Language» فمع كل جملة أو عبارة أجده «يزغدني» في فخذي وهو يقول: «واخدلي بالك أنت»، «أيوه يا عم الحاج واخد بالي بس مال فخادي بالموضوع؟!».


وتنوعت أشكال التعبير بلغة الجسد لدى السائق ما بين الزغد والخبط والرزع والطبطبة على الكتف، التي لولا الملامة والخوف من كلام الناس لكانت سطورا في محضر رسمي بقسم بولاق أبوالعلا.. انتهت الرحلة بحمد الله بعدما أوسعني الرجل ضربًا وصفعًا وركلًا تحت مسمى «Body Language»، لكن رحلتي مع لغة الجسد وكيف يستخدمها المصريون بدأت ساعتها، ورحت أسترجع شريط ذكرياتي مع الناس في أحاديثهم معي وغيري.

 


فتذكرت تلك الخالة التي ما أن ترى ذلك الصغير حتى تنهمر في قرص وعض خدوده و«ياتي بطة»، أو ذلك الرجل الجالس خلفك في الميكروباص وهو ينخر في كتفك كي توصل أجرته للسائق «اديله واحد طالبية»، وغير هذه وذاك فنحن شعب يعشق التعبير بالـ«Body Language».

الجريدة الرسمية