رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد بهاء الدين.. الذي لم يمت في مثل هذا اليوم!

بعد عشاء خفيف بدعوة من سفير الفاتيكان بالقاهرة عاد إلى بيته لينام على الفور ليكون عند السابعة صباحا في طريقه إلى عمله بالأهرام.. وما إن حاول مغادرة السرير حتى سقط علي الأرض.. حاول ثانية فتكرر الأمر نفسه فصرخ إلى زوجته التي استدعت جارهم أهم طبيب قلب في مصر وقتها وكان طبيبا لرؤساء وحكام  دول عديدة الدكتور محمد عطية الذي استدعى على الفور الدكتور يحي طاهر أستاذ المخ والأعصاب.. ابلغاه أن مشكلة ما أصابت أجهزة التحكم في المخ وهي مسألة بسيطة تحتاج إلى راحة تامة لوقت قد يصل إلى ثلاثة أشهر!

في مستشفى البحرية الأمريكية بواشنطن أبلغه الأطباء أنه تعرض لجلطة في أحد شرايين المخ وعندما أبلغ زوجته بذلك قالت إن هذا بعينه تشخيص الطبيبين المصريين. وقد أبلغاني به عند انصرافهما وطلبا مني عدم إبلاغك للسمعة السيئة لهذه الإصابة في بلادنا!

مثقف موسوعي

 

مرت الأيام.. تعافي الرجل من لعنة الإصابة تلك في بدايات عام ١٩٧٥ وبعد خمسة عشر عاما بالتمام والكمال عاشها ملتزما بنصائح الأطباء شديد الالتزام بتعليماتهم وما حددوه من عقاقير  تنفجر الشرايين من جديد وهو يشاهد أنباء غزو العراق للكويت.. فلم يحتمل العروبي المخلص ما جرى.. وقد كادت التحولات السابقة في مصر وما حولها أن تقضي عليه.. ليظل أربع أو خمس  سنوات  بعدها  وأسرته في معاناة مريرة لينتقل إلى جوار ربه صاحب عبارة "انفتاح السداح مداح" وصاحب القلم الرقيق الرشيق الذي يعزف عباراته عزفا..

 

المثقف الموسوعي الذي يخطف قراؤه ولا يتركهم -ولن يتركوه- إلا وقد أنهوا ما كتبه حتي لا يعرفون متي بدأوا ومتي انتهوا! إنه أحمد بهاء الدين الذي تمر اليوم ذكراه السادسة والعشرون  وقد فات جيلنا الاستمتاع بحضوره اللهم في سنين التكوين الأولي وسنواته حضوره الطاغي الأخيرة.. لكن ظلت حواديت تلاميذه عنه وبقيت مواقفه الخالدة خصوصا في نصيحة الحاكم خالدة شاهدة علي صدقه ورؤيته الثاقبة بعيدة النظر..

 

وكذلك بقيت كتبه تنطق بالحق "المؤامرة على أفريقيا" و"محاوراتي مع السادات" و"وتحطمت الأسطورة عند الظهر" و"شهر في روسيا" و"شرعية السلطة في العالم العربي" و"إسرائليات وما بعد العدوان" و"المثقفون والسلطة في عالمنا العربي" وسبعة وثلاثين كتابا كان أولها شابا عام ١٩٥١ ليكون بعدها بسنوات قليلة أصغر رؤساء التحرير في مصر وربما أصغر نقباء الصحافة منتصف الستينيات وصولا إلي كتابيه الأشهرين "فاروق ملكا" و"أيام لها تاريخ" قرأته في أيام الجامعة الأولى بالإسكندرية.. 

 

 

قلت إن قصة "جمهورية زفتى" تستحق أن تكون مسلسلا تلفزيونيا سأكتبه فور التخرج.. وقد كان أن كتبه المبدع الكبير الراحل يسري الجندي كأنه سمع حواري مع نفسي! وكان على أروع ما يكون!

رحم الله الغائب الحاضر الخالد أبدا في ضمير أمته وعند تلاميذه ومحبيه من المحيط إلي الخليج.. أحمد بهاء الدين!

الجريدة الرسمية