رئيس التحرير
عصام كامل

أوائل الجامعات يبحثون عن العكارة!

المؤلم في هذا العصر أن الفجوة بين الأمنيات بين المصريين صارت شاسعة وعبثية، فبينما هناك من يسعى وراء حقوق أولية وأساسية لحياته، يعتبرها أمنيات،  بينما هناك من يتألم لانتهاء حجز الموسم الصيفى فى المالديف وهاواى والريفيرا، ويضطر آسفا لإنفاق بضعة آلاف يوميا فى دولة الساحل الشمالى الشقيق.. ترى شبابا متفوقا محترما يسعى وراء تعيين حكومى لا يتجاوز فى حده الأقصى عن 200 دولار شهريا كبداية تعيين!


اتصلت بى إحدى أوائل الخريجين فى واحدة من الجامعات المصرية العريقة، وألحت على شخصى البسيط أن أذكر الحكومة بهم، حيث صدر قبل ذلك قرارات وزارية بتعيين أوئل الخريجين كل عام فى الجهاز الإدارى للدولة، وكان قرارا مشكورا، لكنه وفقا لكلامها، لم يتم تفعيل قرارات التعيين منذ ثماني سنوات، وهم لا يطالبون بشىء أكبر من هذا.. تنحصر جل أمانيهم فى الحصول على حقهم الأدنى ووفقا للحد الأدنى من الأجور.. كل شىء أدنى، حتى الأحلام والحقوق، فأى شىء يؤلم أكثر من ذلك!


الكوز يحك فى قعر الزير!


كان الفلاحين البسطاء  فى ريف مصر والفقراء  فى الأحياء الشعبية فى المدن قديما فى مصر، يتندرون عن شح الأحوال والسنوات العجاف قائلين الكوز بيحك فى قعر الزير، كناية عن الضيق الشديد والفقر المدقع، فالمياه شىء أساسى فى بيوت الجميع دون استثناء، لكن مع ذروة البؤس، لم يعد هناك حتى بقية من ماء تروض الظمأ، حتى العكارة التى تترسب فى نهاية الزير -إناء الماء- أو قعره انعدمت  مع  عدم صلاحيتها للشرب.. وللأسف صار هذا حال كثير من الشباب المكافح المسكين هذه الأيام.


فمن يطلبوا التعيين هؤلاء يسعون وراء الحد الأقل من الأمل فى مواصلة الحياة، رغم أن مكانهم الطبيعى يكون فى الجامعات ومراكز البحوث، كباحثين مرموقين، لكن لأسباب كثيرة منها فساد الكثير من أساتذة الجامعات وسدنة كهنوتها الأسرى التكوين، لم يتم تعيينهم فى الجامعات، وها هم يبحثون عن عكارة الماء فى الزير.. فهل يجدوها!


تجربة شخصية


أكتب عن هؤلاء الشباب دون معرفة شخصية وأشعر بألهم وأمالهم وإحباطهم، لأننى مررت بنفس التجربة منذ سنوات عديدة، وكنت مثلهم من المتفوقين ومن أوائل الجامعة، ولم يتم تعيينا أنا وبقية زملائى معدومى الواسطة، لكن الحياة كانت بها فرص للعمل أخرى وعوضنا الله، لكن بقى الأمل مرتسبا ألما فى الحق الضائع، ومازال هناك حنقا وكرها وعلى من أضاعوا حقنا ومجهود عمرنا فى التعليم.

 


لوحة من مشروع الهوية البصرية!

نأمل أن تستجيب الحكومة فى بعث الأمل فى نفوس شبابنا المتفوق بتفعيل قرار تعيينهم، والذى لن يكلف الحكومة مثل ثمن لوحة من مشروع الهوية البصرية التى أنفق عليها الملايين بينما هى مسروقة من عمل فنان روسى وأحرجت الدولة المصرية حرجا شديدا.. هؤلاء لا يطلبون الملايين مثل ناقلة اللوحات ولا حتى التمييز  المالى، فقط بعض من الأمل الذى يشعرهم بأن مجهودهم طوال سنين صعبة قد بدأ فى الإنبات ولو برعم صغير، حتى يجدون قليلا من ماء العكارة المترسبة فى قعر الزير لتروى ظمأهم للعيش.
fotuheng@gmail.com

الجريدة الرسمية