رئيس التحرير
عصام كامل

الفروض الاقتصادية الغائبة

الحقيقة الوحيدة التى تهيمن على حياة الناس الآن هى الغلاء المستعر كل دقيقية، فإذا توجهت إلى متجر لشراء سلعة معينة، ربما لن تجدها بنفس الثمن الذى اشرتيته بها منذ ساعات قليلة أو دقائق.. أصبح الجميع يلهث في مارثون الغلاء دون توقف، ولقد أثر ذلك سلوكيا ونفسيا وأخلاقيا علينا جميعا، ومع الضيق والبؤس المطبق على أرواحنا، هناك طبقات مخملية ثرية تجاوزت حد الرفاهية للسفة، لا تشعر بمن حولها وتحج إلى حضرة مغنى أو راقصة فى الساحل الشمالى وتدفع فى ليلة واحدة ما يكمن أن يغنى أسرة كاملة شهورا كثيرة عن السؤال، وعن ذل توفير متطلبات الحياة الأساسية لأفرادها من غذاء ودواء وكساء وتعليم.

 

لذا يجب أن تبحث الحكومة عن حلول لتك الأزمة بعيدا عن التوجهات النمطية التى ملها الناس من نوعية ضبط الأسواق والرقابة من وزارة التموين والتجارة الداخلية، لأن هذا لا يحدث ولن يحدث مادام هناك غياب للتسعيرة الجبرية، والتى من شأنها أن تلزم كل التجار بهامش ربح معين، لكن ما نراه هو نقيض ذلك تماما، فكل صاحب سلعة يبيعها بالسعر الذى يرضى جشعه ونهمه لأموال الناس دون ضابط عليه أو حساب، وتشعر بأن كل التجار يجمعون فيما بينهم على سعر مبالغ فيه للسلعة، ولا توجد منافسة بينهم لإتفاقهم غير المعلن على تحقيق أعلى ربح دون إكتراث بأى شىء.

 

وإنه لمن المثير للسخرية أن الحكومة يوميا تعلن عن تسعيرة السجائر والدخان، وتتوعد من يبيعها خارج التسعيرة، بينما لا تسعر ثمن ساندوتش الفول أو الطعمية، غذاء المصريين الأول والفرض اليومى، الذى يفرض وجوده الحتمى مرة على الأقل فى الإفطار عند الجميع إذا كانوا من بقايا الطبقة الوسطى المنهكة، وربما يتكرر ثلاث مرات أو مرتين على الأقل عند الطبقات الأدنى والأفقر ماليا.. تذهب سيدة لشراء علبة فول فى حجم علبة الزبادى فتجد سعرها قفز من جنيهين إلى خمسة، سعر قرص الطعمية من جنيه إلى ضعفه دون أن يحاسب أحد صاحب المطعم الجشع.. هل أصبحت السيجارة أهم من رغيف الفول حتى لا تسعره الحكومة!

ضرائب تصاعدية

 

الفريضة الغائبة الأخرى عن حياتنا وتتجاهلها الحكومة تماما هى الضرائب التصاعدية، فليس هناك أكثر استفزازا من وجود حجاج للمغنين والراقصات في الأماكن الترفيهية والمنتجعات السياحية، يدفعون عشرات الألوف من الجنيهات فى ساعات قليلة، ولا تدفعهم الدولة ضرائب توزاى هذا السفه فى ظل تلك الظروف القاسية على الطبقات الأفقر والأضعف من عموم المصريين..

 

فمن يدفع تذكرة تعادل راتب موظف يكدح شهرا فى سبيل الوقوف فى حضرة مغنى متصابى أو راقصة لا تملك من الفن سوى تعرية جسدها وإطلاق تردداته للمغيبين، يجب أن يدفع ما لا يقل عن نصف دخله كضريبة تدعم الطبقات غير المحظوظة، لأنه لا يهون عليه هذه البذخ لو كانت أمواله من مصدر حلال أو شرعى أو قانونى او بذل جهدا في الحصول عليه، ومن يحصل على تلك الأموال فى ليلة واحدة أو عدة ساعات نظير غناء أو رقص، لا يجب الإكتفاء بضريبة الملاهى عليه، بل يجب أن يدفع نصف ما حصل عليه، على الأقل، من هذا النشاط السهل فى وقته وليس فى نهاية السنة المالية.

 

إن الحياة أصبحت من القسوة على الناس حتى أقدم البعض على الإنتحار، والبعض الآخر أصابه الإحباط والإكتئاب، وحتى الذين يسخرون من حالهم بالضحك أو السخرية على مواقع التواصل الإجتماعى، فإن أغلبهم يوارى كبته وهمه وراء تلك التعبيرات، وإذا كانت هناك فئات تدفع أموالا طائلة بغير حساب  وفى مقابل سلع وخدمات مستفزة وتافهة قياسا بمن لا يجد طعامه أو علاجه، ويراهم الناس من خلال إعلام غير محايد وأعور لا يرى إلا من يريد..

 

 

حيث يستخدم الإعلام عدسات مكبرة لإظهار ذلك على أنه القاعدة السائدة ويستفز الناس بمقولة (الناس معاها فلوس كثيرة)، فهؤلاء لا يمثلون شيئا من تعداد شعب تجاوز المائة مليون، فلو كان هناك 10 ملايين أثرياء أو مرفهين من أصحاب النفوذ ومن يخدمونهم ويتربحون منهم، ومن لاعبى الكرة والممثلين والمغنيين والراقصين والراقصات والتجار والوسطاء، فهناك أيضا الموظفين البسطاء والعمال والعاطلين عن العمال وهم الأكثرية الكاسحة من عموم  المصريين، فهؤلاء الأثرياء جميعا حلقة واحدة من حلقات مجتمعية تتسع الهوة بينها كل يوم، وتنذر بما لا يحمد عقباه وبما لا يتوقعه أحد.. أسرعوا بتطبيق الفروض الغائبة على هذا المجتمع المأزوم.
fotuheng@gmail.com

الجريدة الرسمية