رئيس التحرير
عصام كامل

"الهكسوس" في واقعة الفتاة الأوكرانية

قبل آلاف السنين أرسل حاكم قبائل الهكسوس إلى الملك المصري، الذي يعيش في مدينة تبعد عنه آلاف الكيلومترات، ليخبره بأن أصوات أفراس النهر في حديقة قصر الملك تزعجه وأن عليه أن يجعلها تصمت وإلا سيأتي لقطع رأسها!مرت في نهر النيل مياهًا كثيرًا قبل أن يسكن أحد أتباع ثقافة الهكسوس، المتعدية على الآخرين، في أحد المناطق الراقية بالقاهرة، مراقبًا سلوك وأفعال جيرانه، متزرعًا بأن أصوات أفراس النهر تزعجه وتخدش حياءه!

ينشغل العالم بالحديث عن غزو روسي قريب لأوكرانيا بينما ننشغل نحن بالفتاة الأوكرانية التي خرجت إلى شرفة منزلها بملابس وصفها البعض بالفاضحة، على حد تعبيرهم، ليتحول الأمر إلى تريند عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن قرر أحدهم تصوير الواقعة ونشرها.

استباحة الخصوصية

قرر بعض الجيران استدعاء الشرطة التي قبضت على الفتاة الأوكرانية قبل أن تأمر النيابة العامة بإخلاء سبيلها، وهو الأمر المستغرب لأن أحد هؤلاء الجيران لم يفكر في التواصل مع الفتاة بحكم الجيرة لإفهامها طبيعة الثقافة المصرية أو ضرورة عدم خروجها للبلكونة بهذه الملابس لأن المجتمع المصري يختلف عن نظيره الأوكراني، مثلما لم يهتم أحدهم بمحاسبة من استباح خصوصية الفتاة بتصويرها دون عملها ودون إذنها ونشر الفيديو عبر المنصات الاجتماعية.

 

للأمر تأثيره السلبي على السياحة المصرية إذا قررت الصحف الأجنبية أن تتناوله من مقاربة أن ما حدث اعتداء على خصوصية الفتاة الأجنبية التي تجهل القوانين المصرية، خاصة أن الفيديو المتداول يؤكد أن هناك مسافة كبيرة بين الفتاة ومن قام بتصويرها، الذي لا يمكن أن يراها بوضوح لبعد المسافة، لكنه لجأ لتقريب الصورة باستخدام كاميرا الفيديو ليسجل الواقعة، الأمر يشبه أن ينظر أحدهم من "تليسكوب" إلى النجوم فيراها واضحة ليصرخ محذرًا بأنها سوف تصطدم بكوكب الأرض!

 

 

إن من يظنون أنفسهم حماة للفضيلة هم أول من نجدهم يستبيحون خصوصية الآخرين ويتدخلون في شؤونهم الخاصة عوضًا عن الاهتمام بحياتهم، ويحاولون فرض أفكارهم الخاصة على الآخرين، ليكاد الأمر أن يجعلني أتساءل إذا كان لدى البعض منهم رغبة في وضع أزياء رسمية موحدة أو ألوانًا رزينة للملابس تتوافق مع العادات والتقاليد والأعراف والثوابت مما يناسب الجلوس في "الليفنج رووم" أو السفرة أو المطبخ أو أي مكان يمكن أن تتلصص كاميرات الجيران لتستبيحه من النوافذ، مخترقة الجدران والستائر، وباستخدام تقنيات تقريب الصورة، وذلك حتى لا نجرح إحساس هؤلاء المتطفلين عندما يقومون بتصويرنا دون إذن منا!

الجريدة الرسمية