رئيس التحرير
عصام كامل

مفاوضات "النيش" وموقعة "السفرة"


إذا كان التغيير هو «سُنة» الحياة فما هو «الفرض»؟
بهذا سألت نفسي وأنا أراجع شريط ذكريات ثماني سنوات عجاف كان يفترض أن تكون سمانًا، منذ بدأ التغيير يجتاح البلاد والعباد..

بالبحث في القواميس والمراجع والمضاجع، ستجد أن المعنى الحرفي لكلمة تغيير هو (اِسْتِغناء عن شَيء واسْتِبداله بشَيء آخر مِن نوعه. أو انْتِقال من مَحلّ إلى آخر أو مِن حال إلى حال).

وهكذا تبدو الأمور واضحة، ويبدو المعنى جليا لا لبس فيه ولا التباس، لكننا تعلمنا أن المعنى يختلف عن الدلالة، فقد يبدو اللفظ (أي لفظ) في معناه الحرفي حلوا وجميلا، بينما تبقى دلالته لدى الناس سيئة السمعة كمصارع ضخم البنيان عظيم الشحم واللحم كلما حاول أن يلكم منافسه خانته قبضة يده وراحت تمزق الهواء، ثم انكفأ على وجهه منبطحا وهو يصرخ مثل طفل خائب الرجا!
وفي السنوات الثماني هذه، لم تخسر كلمة سمعتها وشرفها مثلما كان الحال مع كلمة «تغيير»، إذ باتت دلالتها في أذهان الناس دلالة مخيفة ونذير شؤم..

ولم لا وكل تغيير في السنوات العجاف يقود من سيئ لأسوأ.. من مخيف لمرعب.. من فقر لضنك.. من مقزز لمقرف!

لهذا كله ولأكثر، أصبح الناس يخشون التغيير ويفرون منه، حتى وإن كان تغيير حفاضة طفل رضيع، فهم الآن يظنون – وبعض الظن ليس إثمًا – بل يؤمنون بأن الحفاضة الجديدة لن تكون أحسن حالًا من الحفاضة التي تبرز فيها الطفل الرضيع، إن لم تكن أسوأ..

بل وأزيدكم من الشعر بيتا لعلكم تعتبرون.. ولتعلموا إلى أي حد باتت كلمة «تغيير» تثير المشكلات بين الناس، فاسمعوا قصتي وعوا..

بالأمس مررت على بيت خالي، فوجدت زوجته وقد اتخذت من أحد الأركان ملجأ لها، بينما هو يجلس القرفصاء في ركن آخر، وبيد كل واحد منهما سلاح سريع الطلقات..

في البداية ظننت أنني أخطأت العنوان وقلت في نفسي ربما قادتني قدماي لإحدى مناطق الصراع في العالم، فتمنيت لو كنت قد أحضرت معي سترة واقية من الرصاص وخوذة ودرعا وباقي مستلزمات الدفاع عن النفس، غير أنني تيقنت من أني في بيت خالي الحبيب حينما لمحت طفله يسعى بين الأثاث كما الأفعى..

وبينما ابتسامة شاردة ترتسم على شفتيّ، وقبل أن أتنفس الصعداء، اشتعلت المعركة وبدأ الضرب، فاتخذت من أحد الجدران ساترًا وأنا اصرخ: استر يا ستار!!

استمرت المعركة لدقائق ولحسن الحظ لم يسقط فيها من الجرحى سوى القليل، هذا إذا صرفنا النظر عن عدد القتلى من الجيران والمارة قرب نوافذ البيت، على اعتبار أنهم ليسوا من أفراد العائلة..

المهم، بعد مفاوضات شاقة ووساطات كبيرة –أجريتها قرب النيش- تمكنت بفضل المولى أن أعقد بين خالي وزوجته هدنة لاستكشاف الأمر، مع وعد بأن أفسح لهما المجال لاستكمال القتال حال فشلي في التوسط لاتفاق.. لكنني –ولله الحمد– احتفظت لنفسي بحق إبداء القلق على طريقة أصدقائي في الأمم المتحدة..

في هدوء يشوبه الحذر، جلسنا على «سفرة» المفاوضات بجوار النيش كما قلت، واحتسينا كؤوس الصبر والحكمة، إلى أن سألت عن سر العراك والقتال الذي احتدم بين الخال وزوجته، فصاحت هي: يا ولدي كنا نحيا في هدوء وسلام حتى طلبت من خالك أن يعطيني الريموت كنترول من أجل «تغيير» قناة التليفزيون التي كنا نشاهدها وقتها، فاحمرت عيناه واتسعت حدقتاه وطالت أذناه، وأخذ يردد كما المجنون (إلا التغيير.. إلا التغيير).

انتهت زوجة خالي من كلامها، وأمن هو على ما قالته وأيده، فوجدتني دون وعي أستل أحد الأسلحة التي كانت بأيديهم لأفرغ فيهما ما به من رصاصات، ثم أزحت جثتيهما بعيدًا وجلست وحدي على الأريكة لأشاهد التلفاز، وأنا أدعو الله أن يبارك روحيهما وأن يرقدا في سلام بلا تغيير ولا تغير..

الجريدة الرسمية