رئيس التحرير
عصام كامل

الشاى


«آكلو السحت»، هو اللقب المناسب الذي يجب أن يٌطلق على هذا النوع البشر، ويوصمون به، من لا يتوانون عن طلب الرشوة، بكل بجاحة ووضاعة، في سبيل إنجاز عمل أو قضاء أمر، هو في صلب مهام عملهم، إلا أنهم يعرقلونه بهدف الوصول إلى «مربط الفرس»، الذي بات يطلق عليه في المصطلح الدارج عبارة «الشاى بتاعى».


روى لى الجار صاحب الصيدلية، أنه عانى شهورا طويلة من تراكم التقديرات العشوائية في فاتورة استهلاك إحدى الخدمات الضرورية، رغم أنه لا يستهلك إلا مقدار حاجته الفردية، وبأقل من أي محل تجارى آخر.

وقال إنه بالفعل ومنذ شهور طويلة قدم طلبا بعداد خاص للصيدلية، لكن حدثت مماطلات في الطلب من جهة بعض موظفى الإدارة المختصة، إلى أن ساومه أحد العاملين بها على تركيب العداد له في غضون يومين، مقابل مبلغ من المال حدده الموظف بـ٣٠٠ جنيه.

ودفع الصيدلي المبلغ صاغرا، بعد أن يئس من تركيب العداد في موعد قريب، وتقاضى الموظف بالفعل المبلغ، لكنه ساومه أيضا على حفنة من المنشطات بالمجان، وأعطاه إياها وهو في قمة التضرر رغما عنه، حتى لا تتعطل مصالحه التي سدد قيمتها الرسمية من الأساس!.

وأكمل أنه حينما مر عليه موظفو إحدى الشركات الخدمية الأخرى أيضا، للقيام بعملية إحلال للعداد القديم، بآخر جديد، طالبوه بــ«الشاى»، وحينما أعطاهم ما جادت به نفسه، وهو في قمة الاستياء والتضرر، استصغروا المبلغ، وطالبوه بالمزيد، مع ما يرشحه لهم من بعض المنشطات والمقويات أيضا، مردفين في صوت واحد: (كل سنة وأنت طيب يادكتور).

تفشت في أوصال بعض فئات المجتمع ـــــ جنبا إلى جنب النقود ـــ ثقافة الرشوة بالمنشطات والمقويات، بل وببعض العقاقير المصنفة ضمن جداول وزارة الصحة أنها عقاقير مخدرة، مثل عقار الترامادول، الذي حسب قول أحد المتعاملين مع إحدى الجهات: (مش بيطلع إلا للمصلحة التقيلة).

قلما تجد بيوت هؤلاء تستقيم فيها الفضيلة، أو يقام بها للأخلاق وزن، تجدها خربة عفنة منزوعة الخير والبركة، من كثرة أكل مال الغير بالإجبار، وتحت ضغط الحاجة وبسيف الحياء، وبالإلحاح وبأسلوب التسول القذر الممقوت، ومع ذلك تجدهم يقيمون الفرائض، وتلمح في وجوههم سيم التشبه بالصالحين.

تعسا لبيت بنى على أكل الحرام، وتعسا لزوجة رضيت أن ينبت لحم أولادها من إتاوة أبيهم على الناس، وهلاكا لأسرة علَم الأب فيها أبناؤه، أساليب الفهلوة، وإخراج القرش من فم العفريت.

«الشاى» الذي تشربه اليوم غصبا وافتراء، ستشربه غدا قيحا وصديدا، وستدفع ثمنه فادحا من استقرار بيتك وأولادك، وستجنيه على عدة صور، إما زوجة خائنة أو ابن عاق، أو مرض مميت، وسيرد الله هذا المال إلى أصحابه، ولكن من لحمك.
الجريدة الرسمية