رئيس التحرير
عصام كامل

عباس محمود العقاد يكتب: الكتاب طعام الفكر

فيتو

في مجلة الهلال عام 1971 كتب الأديب عباس محمود العقاد مقالا عن أهمية القراءة قال فيه:


ليس هناك كتاب أقرأه لا أستفيد منه شيئا جديدا، فحتى الكتاب التافه أستفيد من قراءته، لأنني تعلمت شيئا جديدا هو ما هى التفاهة؟ وكيف يكتب الكتاب التافهون؟ وفيم يفكرون؟

إن الكتب مثل الناس فيهم السيد والوقور وفيهم الكيس الظريف، وفيهم الجميل الرائع، وفيهم الساذج الصادق، وفيهم الأديب والمخطئ والخائن والجاهل والوضيع والخليع.

هذه الندرة من الكتب التي تيسرت لى أيام التلمذة وما بعدها علمتنى دستور للمطالعة أدين به إلى الآن، وخلاصته أن كتابا تقرأه ثلاث مرات أنفع من ثلاثة كتب تقرأ كل منها مرة واحدة.

كلا لست أهوى القراءة لأكتب، ولا أهوى القراءة لأزداد عمرا في تقدير الحساب، وإنما أهوى القراءة لأن عندى حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفينى ولا تحرك كل ما فى ضميرى من بواعث الحركة والقراءة دون غيرها، هي التي تعطينى أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الإنسان الواحد، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق، وإن كانت لا تطيلها بمقادير الحساب.

التجارب لا تقرأ في الكتب.. ولكن الكتب تساعد على الانتفاع بالتجارب.

لا أحب الكتب لأنني زاهد في الحياة.. ولكنني أحب الكتب لأن حياة واحدة لا تكفيني، ومهما يأكل الإنسان فإنه لن يأكل بأكثر من معدة واحدة، ومهما يلبس فإنه لن يلبس على غير جسد واحد، ومهما يتنقل فإنه لن يستطيع أن يحل في مكانين..  ولكن بزاد الفكر والشعور والخيال يستطيع أن يجمع الحيوات في عمر واحد، ويستطيع أن يضاعف فكره وشعوره وخياله كما يتضاعف الشعور بالحب المتبادل.

يحسن بالقارئ أن يعيد تصفح الكتب التي يقرأها مرة كل ثلاث سنوات على الأكثر فإنه يضاعف انتفاعه بها.

يقول لك المرشدون: اقرأ بما ينفعك.. لكنى أقول لك انتفع بما تقرأ.

خلاصة ما أصف به الثقافة أنها ترويض الوظائف الإنسانية على استيفاء نصيبها من الحياة الفضلى.
الجريدة الرسمية