رئيس التحرير
عصام كامل

حسن زايد يكتب: المرجفون بين الوطنية والعمالة

حسن زايد
حسن زايد

هناك دائمًا في كل مدينة مرجفون، يسعون بين الناس بالكذب، يبذرون الفتنة، ويبغون الفساد. هم في مجتمعاتهم كالسرطان في الجسد، لا يتركونه إلا جثة هامدة. وكما أن اكتشاف السرطان مبكرًا مدعاة لتزايد فرص الشفاء منه، كذلك هم، والعكس بالعكس صحيح.


وفي أوقات الثورات، والاضطرابات الاجتماعية، وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، حيث تسود المجتمعات مشاعر عدم اليقين، ينشط المرجفون. ففي هذه الأوقات تتوفر التربة الصالحة لأنشطتهم المحمومة، وفيها ترجي ثمارها المسمومة.

ومصر في ظل الأوضاع الدولية والإقليمية الحالية، تتعرض لحملات مسعورة، تستهدف الضغط على مفاصل الدولة، بقصد تفكيكها، وتقسيمها، وتقزيمها، إنفاذًا لمخطط «سايكس / بيكو» الجديد، الذي يخدم الكيانات المتنمرة المحيطة بها، سواء خدمة لأنفسها، أو لقوي دولية أخرى.

هذه القوى تستخدم أذرع داخلية، لممارسة ما خططت له من عبث، سواء بالسعي بالكذب، أو بذر بذور الفتنة، وآخر الأفاعيل ما قامت به شخصيات المفترض أنها مصرية، من إصدارها بيانا بشأن الانتخابات الرئاسية، تضمن الهجوم على كافة أجهزة الدولة، واختلاق أوجه نقص مدعاة، وانتقادها، وتشديد الهجوم عليها. ولو جاءت هذه الانتقادات منفردة، لأمكن الزعم بوطنيتها، أيًا كانت، إلا أنها جاءت لاحقة، ومتزامنة، لذات الحملة الخارجية، بنفس عباراتها ومفرداتها، وتوجهاتها، وغاياتها التي تتغياها. على نحو يضعهما سويًا في سلة واحدة، دون تنافر، أو تناقض، أو تضارب.

فقد تم عنونة البيان بـ : "بيان بخصوص مصادرة حق المصريين في انتخابات رئاسية حرة". وهو عنوان يصادر ابتداءً على المطلوب. ثم استهل البيان بـ: "يدين الموقعون على هذا البيان كل الممارسات الأمنية والإدارية التي اتخذها النظام الحالي لمنع أي منافسة نزيهة له بالانتخابات القادمة". ولم يقدم الموقعون أية دلالة عملية على ما يزعمون، وإنما فقط كلمات خبرية مرسلة تحتمل الصدق والكذب. ولم يبينوا ما هي العلاقة المنطقية بين ما زعموه حول الممارسات المزعومة الحالة آنيًا، ونزاهة انتخابات لم تبدأ وقائعها بعد، وفشلوا في الربط بين الأمرين.

وقد توهموا أن الركون على حادث الاعتداء على هشام جنينة، كاف للتبرير والربط. وهو ربط وتبرير متهافت، لأن السيد جنينة قد انفكت علاقته بالانتخابات، بمجرد انتهاء موقف عنان قبل الترشح. أي أنه لا هو، ولا من اختاره نائبًا، له علاقة بقصة الانتخابات ونزاهتها.

وقد صيغت هذه الفقرة على نحو يضع الأجهزة الأمنية والإدارية للدولة في مواجهة عدائية مع جموع الشعب، على نحو غير مبرر وغير مشروع، بما يمثل تحريضًا ضد هذه الأجهزة ابتداءً، قبل أن تبدأ ممارساتها المزعومة. والتفسير لذلك الوحيد هو السعي تحت ظلال التوجه الخارجي المعادي لمصر.

ثم انتقل البيان من التشكيك في نزاهة الانتخابات إلى العراقيل الانتخابية منتهجًا نفس النهج، حيث استطرد البيان: "وقد كانت عراقيل الانتخابات قد بدأت مبكرًا، بإشاعة مناخ الخوف الأمني، والانحياز الإعلامي، والحكومي". ولا أدري كيف وقع ذلك دون أن يستشعره المجتمع؟... حالة الاستنفار الأمني لمواجهة الإرهاب تمثل تخويفًا لمن ينتوون الترشح، أم ماذا ؟.

ولا أدري ما هو المقصود بالانحياز الإعلامي في عصر السماوات المفتوحة بلا ضابط أو رابط، والإعلام خارج السيطرة الحكومية، فضلًا عن تشكله من الإعلام الخاص ؟.

كما لا أدري ما الذي يجب على الحكومة أن تفعله حتى تبدو غير منحازة؟.. ثم يتحدث البيان عن ضيق الجدول الزمني الذي يتيح فرصة حقيقية للمتنافسين لطرح أنفسهم. وهو ما يذكرني بحال التلميذ البليد، الذي شرع في المذاكرة ليلة الامتحان، ثم تعلل بضيق الوقت. مع أن تلك الجداول الزمنية ينظمها الدستور والقانون، ولا دخل فيها للنظام القائم.

ثم يمضي الموقعون في مزاعمهم قائلين، بأنهم شهدوا: "محاولة إفراغ الساحة من كل المرشحين ". وفي ذلك تدليس مفضوح لأنه ليس هناك مرشح إلا بعد التقدم بطلب ترشيح، وقبوله، وقبول الأوراق المطلوبة، وإدراجه ضمن كشوف المتقدمين، وغلق باب الترشح، وإعلان قائمة بالمترشحين. فلا أدري كيف يتم إفراغ الساحة من كيانات غير موجودة من الأصل ؟. ومع ذلك ذهبوا إلى حصر من زعموا أنهم مرشحون، وتم إفراغ الساحة منهم، وهم :

ــ خالد على ـ محام وحقوقي، زعم البيان بأنه قد تم تلفيق قضية هزلية له. والقضية لا ملفقة، ولا هزلية، وإنما تمثل اقتراف فعل فاضح، مسجل صوتًا وصورة، ومنتشر على مواقع التواصل. كما أن هذا الفعل لم يكن له أثر في إعلان خالد على سحب نيته في الترشح، لأسباب لم يعلن عنها، ربما لعجزه عن جمع التوكيلات اللازمة.

ــ العقيد مهندس أحمد قنصوة، زعم البيان بأنه قد سجن بعدما اضطر لإعلان نيته في الترشح، بعد رفض استقالته لسنوات. وهذا يعني مخالفته الأوامر العسكرية، واختراق القانون العسكري، مما يستوجب معه العقوبة.

ــ الفريق أحمد شفيق، وقد زعم البيان أنه تعرض لضغوط في منفاه، ثم ترحيله قسرًا. ونسي البيان أن منفاه كان اختياريًا، ولم يكن منفًا وإنما ملاذا بعد هروبه، وقد جرى ترحيله قسرًا بعد إساءته إلى الدولة المضيفة. وقد أقر الرجل بذلك، واعتذر عن إساءته. ولا علاقة للنظام بكل هذه السيناريوهات.

ــ محمد أنور السادات، وقد زعم التقرير انسحابه لتعرضه لضغوط أمنية. وهو في الحقيقة نائب سابق بمجلس النواب تم فصله لأسباب متعلقة بـ اتصالات بجهات أجنبية، وتقديم معلومات مترجمة إليها، واتهامه بتزوير توقيع زملاء له على مشروع قانون، وترأسه إحدى الجمعيات التي تتلقي تمويلًا أجنبيًا.

ــ الفريق سامي عنان، وما حدث معه معروف ومعلن، ولا محل فيه لأي مزايدة. فالرجل أخطأ وتجري محاسبته وفقًا لقانون الأحكام العسكرية.

تلك هي صور التضييق والتنكيل التي زعمها البيان، والدالة على انعدام حياد أجهزة الدولة في زعمهم.

ويبقي السؤال الأهم لمصدري هذا البيان، والذي مؤداه: وما هو المطلوب؟. الحقيقة أنهم لم يفتهم الرد على هذا السؤال في عدة نقاط:

ــ وقف الانتخابات واعتبارها فقدت الحد الأدنى من شرعيتها.
ــ وقف أعمال الهيئة الوطنية للانتخابات وحل مجلسها.. إلخ.
ــ ندعو شعبنا العظيم لمقاطعة هذه الانتخابات كليًا، وعدم الاعتراف بأي مما ينتج عنها... إلخ.
ــ ندعو كل قوي المعارضة الفاعلة لتشكيل تجمع يدرس الخطوات والخيارات القادمة، ويستدعي الشراكة الشعبية فيها.

تلك المطالب هي خطوات للهدم، والبدء من نقطة الصفر مرة أخرى، كما حدث بعد 2011م، وكان حصاد كل ذلك وجماعة، حكم عصابة الإخوان الإرهابية.

هذا بخلاف صدور البيان عن شخصيات مدلسة انتحلت صفات ليست لها، وإنما هو نوع من الاختلاق والنصب السياسي. ولذا لم يقدم الشعب المصري لهم ولا لبيانهم وزنًا ولا اعتبارًا، لأن إرجافهم في الداخل ما هو إلا صدى لإرجاف الخارج. ولا وطنية بأردية الوطن.
الجريدة الرسمية