رئيس التحرير
عصام كامل

اعترافات أقدم «ملقن مسرحي».. بدأ حياته ممثلا.. ومحمود المليجي غير مساره.. سمير غانم وأحمد بدير يطلبونني بالاسم.. 1000 مسرحية حصيلة أعمالي.. وهذه قصتي مع نجاح الموجي (فيديو)

فيتو

في عام 1973 وعلى خشبة مسرح “الريحاني” بوسط القاهرة، كان الممثل الكبير محمود المليجي يعرض مسرحيته “مبروك”، كانت الأجواء وقتها مشحونة، مصر تستعد لحربها مع العدو الإسرائيلي، وهناك حالة استنفار عامة، والمسرح هو المتنفس الوحيد أمام من يبحثون عن لحظات من البهجة.


في إحدى ليالى عرض مسرحية المليجي فوجئ باشتعال أزمة خلف الكواليس بعد إعلان مُلقن المسرحية اعتراضه على أجره وتهديده بالرحيل حال عدم رفع أجره “أنا عايز خمسة جنيه زيادة على الأجر، وإلا مش هكمل شغل”، اعترض المليجى بحزمه المعتاد على طلبات الملقن ووافق على رحيله، لكنه وجد نفسه أمام مشكلة كبيرة لعدم وجود البديل، ويتساءل الأبطال كيف سنكمل العمل، أين الملقن ومن لها الآن؟!

يومها قطع المليجى الهرج ووقع اختياره على ممثل في المسرحية ليقوم بمهمة تلقين الممثلين “محمد زيان هيبقى الملقن”، ليتغير بعدها مسار حياته من ممثل إلى واحد من أشهر ملقنى المسرح في مصر.

الصدمة
يقول زيان: “أنا وقتها اتصدمت هعمل إيه، أنا حتى معرفش شكل الكمبوشة إيه”، يروى «زيان» حكايته مع عم «محمود المليجي» كما كان ينادى عليه، كيف اكتشف موهبته في مهنة «الملقن»، بعد أن طلب منه أن يحتوى الموقف بعد أن غادرهم الملقن، كان صدمة لـ«شيخ الملقنين» وقتها، وسأل نفسه: كيف لى أن أخوض هذه التجربة الصعبة؟ ليجد الرد عند المليجى حينما قال له: «أنت اللى بتلقنا في البروفات ولازم تكمل الموضوع».

يسترجع ذكرياته مع هذا اليوم داخل الصندوق الذي كان عبارة عن شفاطات الهواء وقتها في المسرح، وتم وضع بطانية فوق ظهره، وتيقن وقتها محمود المليجى أنه يمكنه العمل تحت أي ظرف.

من خلال هذه المسرحية، وضع عم زيان - أو شيخ ملقنى المسرح كما يلقب - قدمه في عالم التلقين، كأن هذه اللحظة توقفت عندها ذاكرته، وباتت تعيدها وتعيدها كلما نفدت مشاهدها: “من هنا ارتبطت بمهنة المُلقن من عام وش الخير عليا وحتى الآن مازالت، أصبحت «شيخ الملقنين»، وبيطلبني بالاسم الفنانين الكبار زي سمير غانم وأحمد بدير”.

يكشف عم زيان عن بداية مشواره في التمثيل منذ ستينيات القرن الماضي؛ وقف على خشبة المسرح بجوار عمالقة الفن وقتها، كان مهووسًا بالوقوف على المسرح، يرى نفسه ممثلا بالفطرة، وعائلته الفنية جعلت قلبه يتعلق بالمهنة.

شيخ الملقنين
توغلنا داخل حياة «شيخ الملقنين» لنتعرف على الصدفة التي جعلته يصبح «ملقن» بجانب أدواره الصغيرة في المسرحيات.

لم يتردد عم «محمد» للحظة أن يخوض التجربة والقلق لم يتركه لحظة، وبدأ نزول مكانه المخصص على المسرح «الكمبوشة» ليبدأ عمله في تلقين أبطال الرواية ما ينسونه من كلمات، ومن هنا وبعد نجاحه في أول تجربة له بدأت مسيرته في مهنته الجديدة التي لم تكن في حسبانه.

مسرحية «مبروك» تكتب أول سطر لـ «زيان» في مهنة الملقن التي يمارسها منذ 45 عاما هو يتشرب المهنة بكل تفاصيلها، وجد نفسه البطل الأول للعرض المسرحى على الرغم من عمله مع فريد شوقى ومحمد عوض ومحمد رضا وغيرهم من نجوم جيلهم، 1000 مسرحية هي حصيلة عم زيان وإرثه الحقيقى بدأها بـ«مبروك» مع محمود المليجي، وأنهاها بـ«سيبونى أغني» مع سمير غانم.

مشاهد من الذاكرة
«شيخ الملقنين» لم ينس يوما واحدا قضاه برفقة المليجى أو محمد عوض أو فريد شوقي، يرى أن الكون قد أفرغ من ملذاته، وبات كل شيء بلا مذاق، «هم كانوا نجوم زمن جميل مش هيتعوضوا، لكن إحنا بإيدينا نخلى أي زمن جميل» يتحدث زيان.

العمل الشاق لا يخلو من المواقف الكوميدية والطريفة أثناء العروض، لدرجة أنها من كثرتها لا يستطيع عم زيان تذكرها بشكل مطلق، لكن ثمة موقفا لا يمكن له أن ينساه، حينما ربط ساق أحد النجوم الكبار في طرف «الكمبوشة» لرفضه أن يقول جملة لقنها له وصمم أن يتغاضى عنها، “مسيبتوش إلا لما قالها”، وموقف آخر يرويه عم زيان لنا، بينما تلمع الدموع في عينيه، وتغرب عيناه بعيدا نحو الماضى وناسه، قائلا: “عندما كنت أعمل بمسرحية «هات وخد» مع الفنان حسن يوسف أحضروا لى طبق سمك، وبدأت آكل أثناء العرض، وعندما فاحت رائحة السمك المسرح بدأت القطط تتقاسم معى السمك، فرفعوا عنى الصندوق الخشبى ليرى الجمهور الملقن وهو يأكل السمك والجرجير أثناء عمله، ودخل الجميع في نوبة ضحك لم تنقطع مدة نصف ساعة.

نجاح الموجي
لأنه مع المسرح على “الحلوة والمرة”، لا ينسى شيخ الملقنين يوم وفاة والده حينما دفنه وذهب للعمل في مسرحية مع الفنان نجاح الموجي، وظهر يضحك بل مثل مشهدًا في كباريه، وخرج «الموجي» بعد انتهاء العرض على الجمهور قائلًا لهم: «الراجل ده دفن أبوه وجه علشان يلحق المسرحية»، ليظهر هذا الموقف كيف يمكن للفرد أن يلقي كل همومه في الصندوق الصغير، ويخرج على الناس بشوشا مستبشرا!

يرى عم زيان أن المسرح أصبح ماضيًا على الرف، وهو فن مهمش رغم دوره المحوري في تربية الأجيال والارتقاء بالذوق العام، مثلما تفعل المدرسة: “زى ما المدرسة بتربي أجيال، إحنا بنربي أجيال، الدولة الراقية لا بد أن تمتلك مسرحا راقيا”.
الجريدة الرسمية