رئيس التحرير
عصام كامل

حسن زايد يكتب: تداعيات حوار الشوباشي 2

حسن زايد
حسن زايد

ما زال للحديث الذي أدلت به الكاتبة الصحفية فريدة الشوباشي لجريدة اليوم السابع المصرية أصداءه، التي ما زالت تتردد بعنف بداخلي، محدثة حراكًا داخليًا هائجًا مائجًا، بسبب ما أثارته من آراء تعد في نظري صادمة، لا من الناحية الفكرية فحسب، ولكن من ناحية أكثر أهمية، وأبعد عمقًا، وأوسع نطاقًا، وهي الناحية الدينية.


فهذه الناحية هي الناحية الفاعلة في مكوننا الفكري والثقافي والقيمي، بغض النظر عن درجة الاقتراب أو الابتعاد من التدين. وأنا هنا لا أشكك في انتمائها الديني للدين الإسلامي، لأنه لا يجوز لي، ولا ينبغي أن أفعل ذلك. ولو شككت في أنها غير مسلمة لما كانت آرائها صادمة لي، بل الصدمة آتية من كونها مسلمة. والقصة ليست قصة فرد يجري تجاهله، ولكنها الفكرة، حين تسري بين أفراد وأسر وجماعات، هنا تتبدي خطورتها على المجتمع ككل. وهي لا ترفض الدين جملة، فيجري عزلها بتحديد موقف سلبي تجاه كل ما يصدر عنها، ولا هي من النوع الصامت المنكفيء المتقوقع، الذي يقتصر ضرره على ذاته، فلا يُلتفت إليه، ولا يُعار اهتمامًا.

وإنما هي من أصحاب المنهج الإنتقائي، التي تلتقط فكرة من هنا، وفكرة من هناك، ثم تبني عليها موقفًا ورأيًا، ثم تمضي غير عابئة بما خلفته. وفي مقال سابق عرضت لفكرتها في مسألة فرضية الحجاب، وموقفها من مسألة النقاب، وهو مقال حجاب الرأس أم حجاب العقل ؟ !. وفي هذا المقال نعرض لموقفها من قضية تعدد الزوجات، ووجه التناقض والصدام بين هذا الموقف، ونصوص قرآنية قطعية الثبوت، قطعية الدلالة، لا تحتمل تأويلًا، ولا تفسيرًا. والواقع أن هذه القضية، لا تخصها وحدها فقط، ولا هي وليدة اليوم فقط. وإنما تمتد إلى غيرها، وعلي فترات متباعدة. وقد زاد اللغط حولها إلى حد الترهل، في هذه الأيام، دون تدخل من أحد أومن جهة لحسم الأمر الشرعي، على نحو لا يتيح التقول عليها، ولا تجعلها محلًا لحرية الرأي والتعبير، أو الأخذ والرد والمجادلة فيها. خاصة أنها من الأحكام التوقيفية التي لا محل فيها للاجتهاد.

تقول السيدة فريدة : " أنا ضد التعدد ". هكذا دفعة واحدة. ثم زادت على ذلك : " وكل الظلم والافتراء الذي يقوله على كتاب الله، فالله يقول «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَة» ويقول أيضًا: " وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْن النِّسَاءِ ". " وهي تقصد أنه من الظلم والافتراء التقول على الله بأنه قد أباح تعدد الزوجات، ثم ساقت الايتين في معرض كلامها، للتدليل على صحة ما ذهبت إليه. فيبدو أنها قد فهمت ـ أو أرادت إظهار أنها قد فهمت ـ عن الله أنه طالما قد نفي استطاعة العدل بين الزوجات، وأن العدل مطلوب إلهي بينهم، فلا يكون الزواج إلا بواحدة، التماسًا للعدل المطلوب. وطالما أنها قد وصلت بتفكيرها ـ أو تفكير غيرها ـ إلى هذه النتيجة، فلا مانع من القول بأن الله قد حرم التعدد، ولذا فإنها استطردت قائلة : " وأنا رأيى أن تعدد الزوجات ربنا حرمه " أي أنها ذهبت إلى مسافة أبعد غورًا بتقولها على الله، أنه قد حرم التعدد،أي أنها تتقول على الله ما لم يقله. وتلك قضية أخرى بخلاف قضية أنها ضد التعدد. ثم استطردت من حيث تدري أو لا تدري قائلة : " فالرجل إنسان والست إنسانة فطالما الرجل ينفع ينام مع اتنين فالست تنفع تنام أيضا مع اثنين ". وهنا قد خانها المنطق الأرسطي، فسلامة المقدمات لا تعني بالضرورة سلامة النتائج، فإذا كانت المقدمة أن الرجل إنسان، والأنثي إنسان، فليس معني ذلك، أن ما يصح للرجل يصح للأنثي بالضرورة. فإذا صح للرجل تعدد الزوجات، فلا يصح للأنثي تعدد الأزواج. فالأولي أحلها الله، والثانية حرمها الله. وبذا تكون قد وقعت في تحليل ما حرم الله، وتلك قضية ثالثة.

ونعود إلى قضية التعدد ونقول بأنه مباح بنص الآية من حيث الأصل : " فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَي وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ". وهذا ما يُفهم من ظاهر النص، وتؤيده السنة المؤكدة، وإجماع الأمة. وهنا لا محل للمصادرة على مراد الله في الكون. ولكن هذا التعدد مشروط بالعدل، فمن لم يتأكد من قدرته على العدل، لم يجز له شرعًا الزواج بأكثر من واحدة، فإن تزوج كان العقد صحيحًا بالإجماع، ووقع عليه الإثم. والمقصود بالعدل هنا العدل المادي، وكل ما يتعلق بمعاملة الزوجات، مما يمكن أن يتحقق فيه عدل، ويدخل في طوق الإنسان، ومكانة إرادته. ومن هنا جاء قوله تعالي : " فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوُا فَوَاحِدَةً ".

ولكن العدل بين الزوجات في الحب ـ وهو أمر قلبي ـ ليس في مكنة الإنسان، ولا في استطاعته، ولا في طاقته، لأنه ميل قلبي، لا يستطيع أن يعدل فيه، ولو حرص، ومن هنا جاء قوله تعالي : " وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمُ، فَلَا تَمِيلُوُا كُلَّ الْمَيْل فَتَذَرُوهَا كَالْمُعُلَّقَة " وهنا تتأتي عدم القدرة على العدل، ولو جري الحرص عليه، ولذا جاء بعدها النهي عن كل الميل، وهذا يعني أنه على الزوج ألا يميل عن الزوجة الأولى، كل الميل، فيذرها كالمعلقة، فلا هي متزوجة، ولا هو مطلقة.

ولا يفوتنا هنا أن ننوه إلى أن الأمر في : " فانكحوا ما طاب لكم " هو أمر للإباحة وليس للإيجاب. وهذا يعني أن المسلم مخير بين الإكتفاء بواحدة، أو التعدد.

أما المساواة بين الرجل والمرأة في التعدد، فهي من الأمور المستحيلة طبيعة، وخلقًا، وواقعًا. فالمرأة بطبيعتها لا تحمل إلا لمرة واحدة في السنة، وفي وقت واحد. عكس الرجل الذي يمكن أن يكون له أكثر من مولود واحد، في وقت واحد، في السنة الواحدة، ونسب واحد، من نساء متعددات. والمرأة يستحيل أن يكون لها مولود واحد من رجال متعددين، ويصعب نسبته إلى احدهم دون غيره، فتختلط الأنساب. وإختلاط الإنساب يضيع معه نظام الميراث، كما يضيع معه نظام الزواج، والعائلة، وترتكس البشرية إلى عصورها الأولى. هذا بخلاف أن الرجل صحيًا يحتمل الاجتماع بأكثر من واحدة، أما المرأة فتحول قدرتها البدنية دون ذلك. ويضاف إلى ذلك المشكلات العائلية، والأمراض النفسية والجنسية، المترتبة على تعدد الرجال. ومن هنا أحل الله ـ على سبيل الإباحة لا الوجوب ـ التعدد للرجل، وحرمه على المرأة. فهل يعد كلام السيدة / فريدة، صادرًا عن أمية دينية، أم عن جهل، أم عن توجيه، أم عن كل ذلك ؟.
لذا ـ ولأسباب أخرى لم يتسع المقال ولا المقام لذكرها والتطرق إليها ومناقشتها، ربما نتناولها في مقال قادم إن كان في العمر بقية.
حــســـــن زايــــــــــــد
الجريدة الرسمية